رفع نسبة الرطوبة طبقة دفاعية.. كيف نحارب كورونا هذا الشتاء؟

تقدِّم الأخبار السارة عن اللقاحات المُحتَمَلة أملاً في أن توضع نهايةٌ لهذه الجائحة، ولكن حتى يُمنَح اللقاح لعددٍ كافٍ منَّا (حتى وقتٍ ممتد في 2021)، لن يختفي الفيروس. ومع ارتفاع عدد الحالات، والحالات قيد الرعاية بالمستشفيات، وارتفاع عدد الوفيات أيضاً، ومع تخطيط الكثير من العائلات التجمُّع معاً في العطلات المقبلة، تصبح احتمالات الشتاء المقبل قاتمة.

ولحسن الحظ، ليس البشر عاجزين في هذه المعركة، فالجرعات الصغيرة من الفيروس لن تؤدي إلى مرض الشخص بشكل خطير، ولكنها ستكون كافية في الوقت نفسه، لكي يتمكن جهاز المناعة من تطوير أجسام مضادة، كما أن هناك مجموعةٌ فعالة من الأدوات التي يمكن أن تساعد في إبطاء انتشار الفيروس، ولدينا الأقنعة والتباعد الاجتماعي وغسل اليدين، بالإضافة إلى الإستراتيجيات الصحية مثل التهوية والفلترة.. وهناك أداةٌ صحية أخرى يمكننا استخدامها هذا الشتاء؛ ألا وهي الحفاظ على الرطوبة النسبية في نطاق 40 إلى 60%.

والرطوبة النسبية هي مصطلحٌ يشير إلى مقدار بخار الماء الموجود بالفعل في الهواء مقارنةً بالقدر الذي يمكن أن نحتفظ به؛ والأمر أشبه بالإسفنجة: بنسبة 100% تكون الإسفنجة مُبلَّلة تماماً، وبنسبة 50% تحتوي على نصف كمية الماء. ويمكن للهواء الأكثر دفئاً أن يحمل المزيد من بخار الماء، وهو بذلك مثل إسفنجة أكبر. ومع انتهاء الخريف وبداية الشتاء، تصبح بيئتنا الداخلية أكثر جفافاً، وغالباً ما تصل إلى 20% من الرطوبة النسبية، أي أقل بكثير من النسبة المثالية التي هي من 40 إلى 60%.

 

تأثيِر الرطوبة على انتقال العدوى

يمكن أن تؤثِّر الرطوبة على انتقال العدوى بثلاث طرق:

– أولاً، تؤثِّر الرطوبة على قدرة أجسامنا على مقاومة العدوى. إذ يعتمد خطُّ الدفاع الأول في الرئتين على التأثير المشترك للأغشية المخاطية في الجهاز التنفُّسي والضرب التصاعدي للأهداب الشعبية في خلايا الرئة. ويعمل المخاط اللزج على التقاط الجسيمات، بما في ذلك الفيروسات، أثناء نزولها إلى الرئتين. وبمجرد أن تحاصرها الأهداب، تدفع الأغشية المخاطية والجزيئات إلى الحلق، حيث يجري ابتلاعها بشكلٍ لا ضرر فيه.. إنه “سلم متحرِّك مخاطي وهدبي”، يعمل بشكلٍ رائع – معظم الوقت.

مشكلةٌ واحدةٌ في ذلك تكمن في الهواء الجاف، إذ أظهَرَ بحثٌ جديد أنه في هذه الحالة يكون هناك مخاطٌ أقل، ولا تنبض الأهداب بالسرعة اللازمة أو في الاتجاه الصحيح. وهذا يعني أن عدداً أقل من جزيئات الفيروس هو ما يُلتَقَط فعلياً، أو يُزال من الجهاز التنفُّسي، مِمَّا يسمح لمزيدٍ من هذه الجزيئات بالوصول إلى أعمق جزءٍ من الرئة، حيث يحدث أكبر قدرٍ من الضرر.

– ثانياً، أظهرت دراسةٌ جديدة أن فيروس كورونا المُستجَد يتحلَّل على نحوٍ أسرع عند رطوبةٍ نسبية تصل إلى 60%، مقارنةً بالمستويات الأخرى. ورغم أن هذه الدراسة لم تخضع لمراجعة النظراء بعد، فإن هناك مجموعةٌ من الأعمال التي تُظهِر أن الفيروسات الأخرى تتحلَّل بصورةٍ أسرع أيضاً في نطاق رطوبة نسبية من 40 إلى 60%. ولا نعرف بالضبط سبب ذلك، ولكن يمكننا الاستفادة من هذه المعرفة وتجنُّب الظروف الجافة.

– ثالثاً، يؤثِّر الهواء الجاف أيضاً على المدى الذي يمكن للقطرات التي تحتوي على الفيروسات أن تسافر فيه، والمدة لتي يمكنها أن تبقى خلالها في الهواء. فنحن حين نتحدَّث أو نغني أو نتنفَّس، تنبعث قطيرات من الجهاز التنفُّسي. بعض هذه القطيرات كبير ويسقط على الأرض بسرعة، لكن الكثير منها مجهري – ونطلق عليه “الهباء الجوي”- وتبقى مرتفعةً في الهواء لساعاتٍ من الزمن، وتنتقل لمسافاتٍ تتجاوز الـ 1,82 متراً.

 

ما المشكلة؟

كلَّما انخفضت الرطوبة النسبية زادت سرعة تبخُّر تلك القطرات الكبيرة. والنتيجة هي أن العديد من تلك القطيرات الكبيرة نسبياً، والتي كان من الممكن أن تستقر خارج الهواء، تتحوَّل إلى قطيراتٍ أصغر حجماً، وتنتقل لمسافةٍ أبعد، وتتغلغل بشكلٍ أعمق في الرئة. هذا التأثير أقل من التأثيرين السابقين، لكنه لا يزال من المُفضَّل أن تبقى في رطوبةٍ أعلى لتقليل مخاطر انتقال العدوى.

لكن، إذا كانت الرطوبة العالية جيِّدة، فلماذا لا نريد أن تزيد عن 60%؟

والجوااب: بسبب نمو العفن، فالمستوى من 40 إلى 60% يقع في النطاق المناسب، حيث نحصل على مزايا بعض الرطوبة، ولكن ليس عيوبها الكثيرة.

مع قدوم الشتاء، نحن على وشك قضاء المزيد من الوقت في الداخل، حيث يصبح الجو أبرد، والأماكن الداخلية هي التي تحدث فيها جميع عمليات الانتقال تقريباً. في الشتاء، نجلب الهواء إلى الداخل ونسخِّنه، ونقوم بذلك بزيادة حجم الإسفنجة، دون إضافة المزيد من بخار الماء. لذا فإن الرطوبة النسبية الداخلية في نهاية المطاف تكون أقل من الرطوبة الخارجية.

ولسوء الحظ، لا يوجد الكثير مِمَّا يمكن فعله في معظم المباني العامة أو التجارية حيال ذلك. إذ لا تحتوي معظم أنظمة التدفئة والتهوية ومُكيِّفات الهواء الحالية – حتى في المستشفيات – على ترطيبٍ مُدمَج بها، وليس هذا بالضرورة حلاً سهلاً.

ومع ذلك، يمكن استخدام أجهزة ترطيب الهواء المحمولة في المنزل لزيادة الرطوبة النسبية في الغرفة.

وعلى سبيل المثال، توصَّلَت دراسةٌ حول انتقال الإنفلونزا إلى أن استخدام أجهزة ترطيب الهواء في المنزل يمكن أن يؤدِّي إلى تقليل نسبة بقاء فيروس الإنفلونزا بنسبة تصل إلى 30%. ونظراً إلى أن الانتقال يحدث بشكلٍ مُتكرِّرٍ داخل المنزل، قد يكون الترطيب إستراتيجيةً إضافية مهمة (تذكَّر فقط اتبِّاع توصيات الشركة المُصنِّعة بشأن الصيانة. في أيِّ وقتٍ تُدخِل فيه الماء إلى المبنى، فإنك تخاطر بخلق ظروفٍ مناسبة لنمو العفن).

مع حلول فصل الشتاء، نصبح بحاجةٍ إلى الدفاع عن منازلنا ومدارسنا ومكاتبنا، وبالإضافة إلى الإستراتيجيات الأخرى – الأقنعة والتباعد والتهوية والفلترة – فإن رفع نسبة الرطوبة هو طبقة دفاعية إضافية يتعيَّن مراعاتها.