رحلة تشويق مع “الفيل الأزرق”
المسّ، السحر، العالم السفلي، الأمراض العقلية والنفسية، ازدواجية الشخصية، تحليل دواخل النفس، قراءة لغة الجسد، الإثارة، الشغف، وغيرها الكثير من الأمور الشائكة، هي ما ستجعل القارئ يمسك بالرواية من أولها ولا يتركها حتى نهايتها ومعرفة كل تفصيلة تمرّ بين ثناياها.
تفاصيل رواية
في رواية “الفيل الأزرق” للكاتب المصري أحمد مراد تعلو درجات الحرارة وتنخفض حسب الحالة المجنونة للفصل، ما بين خفة دم التعبيرات وقتامة الموقف، تهرول بنا الأحداث على غير هدى، فالرواية تتحدث عن طبيب أمراض نفسية فقد زوجته وابنته في حادث سيارة منذ خمس سنين، انعزل بعد الحادثة عن العالم الخارجي إلى أن اضطر للعودة إلى هذا العالم بعد إنذاره بالفصل من عمله لتجاوزه الإجازات المسموحة، وهنا تبدأ الصراعات النفسية بينه وبين الحالة النفسية التي تولى علاجها في مصحة العباسية، “يحيى راشد” الطبيب الذي لم يخرج من دائرة التحطّم تماماً، يجاهد للعودة لروتين الحياة الطبيعية، ولكنه يصطدم بمأساة أخرى، فصديقه شريف يقبع في المصحة تحت التقييم النفسي لارتكابه جريمة قتل مروعة.
هكذا يحاول يحيى أن يعرف ما حدث، وأن ينجو بصديقه، ما بين الشك في كونه قاتلاً بارد المشاعر يقوم بتمثيلية محكمة للهروب بجريمته دون عقاب، أو مريضاً نفسياً أنهكه المرض فذهب بعقله، أو شخصاً تعرض للمسّ في تجربة ماورائية مرعبة. وبين هذه الاحتمالات تدور أحداث غريبة بطلها قرص دواء مخدّر صغير أزرق اللون يُدعى الفيل الأزرق، والذي سيكون الأداة السحرية التي تُمكّن يحيى من السفر عبر الزمن وفك شيفرات اللغز، ومع تناول ثلاث حبوب سنعرف كل شيء ونتأكد أن “نائل” العفريت الذي يسكن عقل وجسد شريف يفتش عن يحيى ويبحث عنه ليكون هدفه الجديد. وحتى الصفحات الأخيرة من الرواية سيظل القارئ يتساءل: هل هي رواية رعب أم تشويق، هل يتعامل مع عالم ماورائي مرعب، أم تشويق مصدره مرض نفسي عميق، ولكن النهاية ستحسم الأمور.
رحلة باحث
في هذه الرواية لا يظهر أحمد مراد ككاتب قام بزيارة طبيب نفسي وتلقى منه بعض النصائح والمعلومات ورمّم بها هوامش كتابه، بل يظهر كباحث قرأ قبل الكتابة، درس أدق التفاصيل في الطب النفسي، فيقول مراد في أحد الحوارات بأن رحلة الفيل الأزرق استغرقت عامين من البحث في عالم “8 غرب” النفسي المسكون بالخطر وقصص الجريمة والانحرافات النفسية والإجرامية، حيث استطاع من خلال صديق دخول مستشفى العباسية ومنها إلى 8 غرب، والاقتراب من الحالات الخطرة ومشاهدة سلوكها، حتى استطاع استيعاب هذا العالم بشكل صحيح، وشهادة الأطباء أنفسهم نقلها بشكل دقيق في الرواية، وتبع ذلك بالبحث النفسي حتى وجد الحالة التي يبحث عنها وتكون مطابقة لقصة بطل الرواية.
مادة سينمائية
للكاتب لغة خاصة يستخدمها، فتارة يخلط بين العامية والفصحى، وتارة بين اللغتين الإنكليزية أو العربية، يعبّر عن الموقف بعين وإحساس المصور، فتتحول الأحداث إلى مشاهد سينمائية متلاحقة في ذهن القارئ، فيجعله يركض لاهثاً خلف الكلمات بحثاً عن أسئلة هو من فجّرها في بادئ الأمر، يبدو أن دراسة الكاتب هي التي تسيطر عليه وتجعله -من غير قصد أو بإدراك شديد- يوظف دراسته في أعماله الأدبية وهو خريج المعهد العالي للسينما- التصوير السينمائي، فيخرج روايته بطريقة قابلة لأن تكون مادة سينمائية بامتياز، وهذا ما حصل بتحول الرواية إلى فيلم يحمل العنوان نفسه، حيث تمّ تصويره عام 2014 وكان من إخراج وحيد حامد وتمثيل كريم عبد العزيز، خالد الصاوي، نيللي كريم، ودارين حداد.
بعد 5 أعوام تمّ تصوير الجزء الثاني مع كريم عبد العزيز، هند صبري، نيللي كريم، تارا عماد، وأحمد خالد صالح، حيث يستكمل حلقات جديدة للسلسلة المغلقة في الجزء الأول، فيبدأ مع الدكتور يحيى التائه الذي يبدو أن حياته لا تسير على أفضل حال رغم زواجه من حبيبته “لبنى” وتكوين أسرة تبدو سعيدة، تتطور شخصية “يحيى” وتُحاصر بالخيالات والأحلام الغريبة، لكنه لا يزال في فقاعته الخاصة، بالطريقة نفسها كما في الجزء الأول، يتمّ استدعاء يحيى إلى “8 غرب” للاطلاع على حالة مرضية ارتكبت جريمة بشعة، ومن أحداث الفيلم يتبيّن أن يحيى كان قد ترك مجال الطب النفسي منذ أعوام، وأن استدعاءه تمّ لأن المريضة طلبته بالاسم بعد أن رفضت الحديث مع أي شخص سواه، وهذا الاستدراج هو البوابة التي سيتورّط فيها البطل في رحلته مع المريضة “فريدة” المليئة بالأسرار والألغاز.
والجدير بالذكر أنه تمّ الإعلان عن جزء ثالث سيتمّ عرضه في عام 2021 بعد الانتهاء من أعمال التصوير.
عُلا أحمد