الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

جائزة نوبل.. مرة أخرى!

حسن حميد

ها نحن، وفي كلّ موسم من مواسم جائزة نوبل، نعود حزانى، كيما نواجه مرآة النكوص التي سادتها ضبابيةٌ، ما قوينا، رغم كرّ الأيام والسنوات على محوها أو إعادة صقلها!

هذه المرّة أيضاً، وفي موسم جائزة نوبل الجديد، لم تتحقّق أحلام المثقفين والأدباء العرب بفوز علم من أعلام أدبنا العربي بجائزة نوبل، لهذا تتكاثر الكتابات حول الجائزة، لعلّ في طالعها، انحياز الغرب لمبدعيه وكتّابه، وعدم النظر بعين موضوعية منصفة إلى خريطة الإبداع العالمي. ولعلّ هذه المقولة صحيحة تماماً، لأنّ الغرب أنشأ هذه الجائزة من أجل مبدعيه وكتّابه، وإن كان أعطاها السمة العالمية حين جعل الفوز بها يحالف بعض مبدعي العالم وكتّابه مثل طاغور (1861-1941)، ونجيب محفوظ (1911-2006) وماركيز (1927-2014)، ولهذا علينا أن نتروّى قليلاً حين نطالب الغرب النظرَ بموضوعية إلى آدابنا وإبداعاتنا، لعلة فحواها هي أنّ الغرب ليس مضطراً لمتابعة التجارب الأدبية في بلادنا، لأننا نحن لم نقم بواجبنا الحقّ تجاه أدبائنا ومبدعينا، لا من حيث التظهير والترويج لكتاباتهم، ولا من حيث ترجمتها إلى اللغات العالمية.

غالبية الكتّاب والمبدعين العرب هم أدباء بريّون، شأنهم في ذلك شأن النباتات البريّة التي لا تلاقي اهتماماً أو عناية وافيين، وإلا ما الذي كان ينقص كتّابنا ومبدعينا أمثال محمود درويش، وحنا مينة، والطيب صالح، ويوسف إدريس، ومحمد عابد الجابري، وأدونيس.. كي يفوزوا بهذه الجائزة؟ في ظني، كان ينقصهم أننا لم نقم بالواجب الثقافي تجاههم ليكونوا عالميين، وقد يظهر بيننا مبدعون وكتّاب أوفى من هؤلاء إبداعاً وقيمةً، وقد لا يظفرون بجائزة نوبل التي أسّست عام 1901، وللأسباب التي ذكرتها سابقاً، ومثل هذا التشخيص لا نعبّر عنه في كتاباتنا التي تدور حول هذه الجائزة، لأننا ما زلنا بعيدين جداً عن ثقافة “المراجعة”، فنحن لا نواقف مرايا الأمس لمعرفة ما فيها من ترسيمات، وثغرات، وضباب، وسواد، وثلم، نحن اعتدنا على مواجهة مرايا آنية، نقلّبها ونديرها كي نرى وجوهنا وهي في أحسن صورها، وهذا ليس من الأمور الصحيحة، لأنّ فيه ضحكاً أسود، وفيه من الغفلة الكثير.

علينا أن نعي أنّ هذه الجائزة، هي جائزة للغرب، شروطها، ومعاييرها، وغاياتها غربية، ولعلّ أهم نقطة ضعف فيها تتجلّى في أنّ شعوب الأرض الأخرى، تطلب اعترافاً من الغرب بإبداع مؤلفيها، في حين، أنّ معظم هذه البلدان قصّرت في تكريم مبدعيها وكتّابها، ولم تسعَ إلى تمجيد صنيعهم الإبداعي كما يجب، ولا إلى إعلاء شأنهم، فهي لم تنقل إبداعاتهم من اللغة الأم إلى بعض لغات العالم الأكثر انتشاراً؛ وتركت ترجمة أعمالهم للمصادفات وحدها؛ ونحن أيضاً، لم نترجم أعمال محمود درويش الشعرية ونروّج لها عالمياً، وكذلك لم نفعل مثل هذا مع أعمال حنا مينة، والطيب صالح، وأدونيس، والطاهر وطّار، وإبراهيم الكوني، وقد كان من الممكن لو أننا قمنا بترجمة أعمال هؤلاء المبدعين والترويج لها قبل أربعين سنة، وهم شباب، لكان الأمر مختلفاً، ولكانت صورة الأدب العربي مختلفة أيضاً.

كتابات كثيرة تتناول جائزة نوبل بالرجم، والقول بأنها ليست موضوعية ومنصفة، وهي كذلك حقّاً، لكننا ننسى أن هذه الجائزة هي غربية، وعلينا إنشاء جائزة مماثلة لها في القيمة، وأن نروّج لها لتصير مماثلة لها أيضاً في أهميتها.

تُرى، لو تُرجم شعر محمود درويش، وأدونيس، وتوفيق زياد، وأمل دنقل، وعبد الرحمن الأبنودي، وصلاح عبد الصبور، والسيّاب، والشابي، وسرديات جبرا إبراهيم جبرا.. وحنا مينة، وغائب طعمة فرمان، والطاهر وطّار، وإسماعيل فهد إسماعيل، أكانت صورة أدبنا العربي على هذا النحو من التجاهل الغربي، هذا جانب، والجانب الآخر هو أننا لم ندرس، في معظم  مؤسّساتنا الثقافية، أسباب فوز أدباء مثل ماركيز وطاغور وسوينكا، وهم من بلدان تشبه بلادنا في كلّ شيء، لنأخذ العبرة، ونضع أقدامنا على الطريق الذي يجعل الغرب ينتبه مشدوداً إلى إبداعاتنا، وما فيها من جمال.

إنّ الانفعال ورمي الكلام والتقليل من شأن الفائزين الغربيين بجائزة نوبل، في كلّ سنة، كلّها تؤكّد على أننا نعيد تظهير صورتنا كما كانت بالأمس، وهذا ليس هو المطلوب، المطلوب هو المراجعة، والإجابة عن سؤال ثقيل فحواه: كيف نقدّم تجارب مبدعينا إلى العالم، وماذا قلنا عنهم، وكيف كرّمناهم، لكي يفعل الآخرون تجاههم، ومنهم القائمون على شؤون جائزة نوبل، ما يجب فعله؟!.

Hasanhamid55@yahoo.com