روسيا ضامن للسلام العالمي
ترجمة وإعداد: علاء العطار
تظهر التطوّرات العالمية أن الولايات المتحدة شنت هجوماً شاملاً في بعض المناطق الرئيسية في أوراسيا. ولا يهدف هذا إلى التأثير في نتائج الانتخابات الأمريكية فحسب، بل يهدف أيضاً إلى إثارة الشقاق بين الصين وروسيا وأوروبا، ومنع التعاون بين دولها.
ومثلما أشار بوتين، في اجتماع وزراء خارجية منظمة شنغهاي للتعاون مؤخراً، تواجه أوراسيا مخاطر أمنية، وإضافة إلى المنظمات متعددة الأطراف، مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي، التي تواجه تهديدات بالانقسام، تواجه منظمة شنغهاي للتعاون والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة صعوبات جمة. كما تتأجج الصراعات في المناطق المجاورة للصين وروسيا. ويقوم اتحاد المحيطين الهندي والهادئ، القائم على ما يسمى “العالم الليبرالي”، بتسريع بنائه. ولم يعد سوى التعاون الصيني الروسي متيناً، وهذه الظاهرة وحدها تستحق التأمل، ففي ظل موجة الفوضى التي طالت جميع المنظمات متعددة الأطراف والدول الكبرى تقريباً، كيف أمكن أن تظل الصين وروسيا ركيزتين للاستقرار؟
بالرغم من أن الولايات المتحدة قد أطلقت جولة جديدة من الهجمات العالمية، يصعب عكس مسار انحدارها على المدى المتوسط والطويل، إذ أدى الانقسام بين الحزبين، الذي اتسع ليشمل الجماعات الإثنية والأيديولوجيات في البلاد، إلى إعاقة إستراتيجية الهيمنة بشكل كبير، كما أن استجابة ترامب لجائحة كوفيد 19، لا بد أن يضر بمكانتها بشكل خطير. على وجه الخصوص، ستنخفض قيمة الدولار الأمريكي، وسيستمر الضعف الاقتصادي وسط تراجع الدولار، بينما ستكون بيئة الأسواق الناشئة مستقرة، وستكون أسعار صرف العملات غير الاحتياطية مستقرة نسبياً، وسيؤدي الانتعاش التدريجي للاقتصاد الآسيوي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية. وبالرغم من تذبذب الروبل مؤقتاً بفعل التهديدات بجولة أخرى من العقوبات، بناءً على المسار طويل الأجل للاقتصاد الآسيوي، يظل توجه روسيا نحو الشرق خياراً حكيماً.
لقد حدثت سلسلة من التغييرات في روسيا في النصف الأول من عام 2020، ما يشير إلى توجهها المستقبلي. أولاً، بعد تعديل دستوري، دخل بناء “دولة طويلة الأمد” مرحلة التنفيذ. ثانياً، الهدف بعيد المدى للاقتصاد الروسي في مرسوم تموز هو هدف عملي ومنفتح وخلاق. ثالثاً، تستمر العلاقات الصينية الأمريكية في التدهور، لكن موقف بوتين الواضح المتمثل في الإصرار على التعاون الصيني الروسي وألا يكون أبداً أداة بيد الولايات المتحدة لقمع الصين قد نال احترام وتقدير كل من الشعب الصيني والمجتمع الدولي.
إن توجه روسيا نحو الشرق ليس إجراء يقتصر على الاعتبارات الاقتصادية، ولا يهدف إلى مواجهة “الآخر”، إذ بإمكان روسيا، باعتبارها أكبر دولة في العالم واقعة عند ملتقى الحضارات الشرقية والغربية، أن تقدم خبرتها في معالجة الفوضى أو “النظام الجزئي” الناشئ عن التحوّل في النموذج العالمي.
بدأت النخب الروسية منذ الأزمة الأوكرانية في طرح فكرة بناء نظام مستقبلي في أعقاب الأزمة الحالية. وحتى منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، استكشفت روسيا تنفيذ مثل هذا النظام المستقبلي. اقترح الباحثون مؤخراً أن تصبح روسيا ضامناً للسلام العالمي وللخيارات الحرة لجميع البلدان ولحركة جديدة لعدم الانحياز ولبيئة الأرض. ولا شك بوجوب أن تكون الصين الشريك المخلص لروسيا في إتباع مثل هذه المبادئ الأيديولوجية.
هناك أشياء كثيرة تستحق بذل جهد مشترك بين الصين وروسيا. أولاً، يصادف عام 2021 الذكرى العشرين لتجديد معاهدة الصداقة والتعاون الصينية الروسية والذكرى العشرين لمنظمة شنغهاي للتعاون. كذلك فإن مستقبل التعاون الصيني الروسي يستحق التخطيط. قبل التخطيط، من الضروري أولاً إجراء تقييم للتعاون الحالي لمعرفة ما إذا كان قد نُفذ، ومعرفة التجارب والدروس التي تستحق تلخيصاً. ويجب علينا ثانياً تعميق فهمنا وتعلمنا المتبادلين للاستفادة من رغبتنا في متابعة التنمية، بدلاً من مجرد الجلوس معاً وتوقيع العديد من المستندات. ونحتاج ثالثاً إلى استكشاف المعنى الأيديولوجي والتاريخي للتعاون بين الصين وروسيا بشكل كبير، وشرح سبب قيام الدول بالسعي وراءه لشعوب الصين وروسيا والعالم. في أواخر القرن السابع عشر، عندما جرى التوقيع على معاهدة وستفاليا في أوروبا، وقعت الصين وروسيا، كإمبراطوريتين آنذاك، معاهدة تضمن السلام وحسن الجوار لما يقرب من قرنين من الزمان.
تتمتع الصين وروسيا بالكثير من التعاون الإقليمي في الشرق الأقصى وشمال شرق الصين، على طول نهر الفولغا وحتى في المجرى الأوسط لنهر اليانغتسي. ومع ذلك، من الضروري أن يتعاون كلا البلدين في مناطق أكثر، مثل دلتا نهر اليانغتسي والمناطق الأكثر تقدماً اقتصادياً في روسيا. وهذا بالتأكيد سيعزز التعاون الاقتصادي بينهما.
إن عام 2020 هو “عام الابتكار العلمي والتكنولوجي” بين الصين وروسيا. يتوقع الجانبان مستوى جديداً من التعاون العلمي والتكنولوجي، ويمكن للبلدين تحقيق الكثير من خلال التعاون في هذين المجالين. أولاً، من الضروري تعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية. ثانياً، من الضروري تعزيز الألفة وفهم مزايا وعيوب العلم والتكنولوجيا لدى كل طرف. ثالثاً، هنالك حاجة إلى تعلم كيفية تحويل الإنجازات العلمية والتكنولوجية إلى منتجات.
إن مأزق العلاقات المذكورة أعلاه بين الولايات المتحدة والصين وروسيا واقع لا مفر منه. لكن ربما لا يزال بإمكاننا الهروب من حرب باردة ثنائية القطب، حيث أن العالم بات شديد التنوع ومتعدد الأقطاب. وكثير من البلدان غير مستعدة للوقوع في شرك مواجهة أيديولوجية وعسكرية. كما يأمل الصينيون في عودة العلاقات الأمريكية الروسية إلى طبيعتها. وحتى لو كان ذلك من منظور الحاجة إلى علاقة حسن الجوار بين الولايات المتحدة وروسيا فحسب، فهو أمل معقول جداً للمستقبل.