زيت الزيتون.. لقلة الإنتاج وارتفاع الأسعار يغادر “بيت المونة”
وقف المزارع الستيني هشام درويش أمام أكياس مكدّسة في إحدى معاصر زيت الزيتون بريف السويداء ينتظر دوره، متلهفاً ليعرف كمية الزيت التي سيحصل عليها بعد سنة من التعب المستمر، متسائلاً: هل سيكون هناك تطابق ما بين حساب الحقل وحساب البيدر، أم ستجري الرياح بما لا تشتهي السفن، كما يقال؟.
وقال لنا المزارع درويش، ويداه متشحتان بالسواد من قطف الزيتون: “فوجئت قبل أسبوعين أن 400 كيلو زيتون أنتجت 3 صفائح زيت و11 كيلو غراماً”، مؤكداً “أنها كانت صدمة كبيرة هذه الكمية القليلة من الزيت”، مبيناً أن كل 112 كيلو زيتون أنتجت صفيحة زيت.
وتابع، والأمل يحدوه في هذه القطفة الثانية التي تزن نحو 1500 كيلو غرام، أن تكون كمية الزيت أفضل، مؤكداً أن تكاليف إنتاج زيت الزيتون باتت باهظة ومرهقة للمزارع، والمستهلك هو من سيدفع ثمن هذه التكاليف.
وأشار درويش إلى أن مساحة أرضه المزروعة بأشجار الزيتون تبلغ نحو 40 دونماً، مبيناً أن عمال القطف يتقاضون 150 ليرة سورية بالساعة كأجور قطف، لافتاً إلى أنه فضّل أن يجني محصوله بنفسه لتقليص حجم النفقات.
بدوره أكد المزارع وائل أبو عواد من محافظة السويداء أن إنتاج الزيتون لهذا العام “مقبول”، لكن تكاليف إنتاجه باتت عالية جداً لا تتناسب مع حجم الإنتاج. وتابع يقول: إن ارتفاع أسعار اليد العاملة وارتفاع أجور نقل الزيتون من الأرض للمعصرة شكلا عبئاً إضافياً على المزارع.
وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه مزارعي شجرة الزيتون في السنوات الأخيرة في محافظة السويداء، وتراجع المساحات المزروعة بأشجار الزيتون بسبب كثرة الأمراض التي تتعرّض لها هذه الشجرة، إلا أنها مازالت تحظى باهتمام شريحة لا بأس بها من المزارعين نظراً للأهمية الإستراتيجية التي تحقّقها هذه الشجرة على مستوى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الزيت والزيتون.
إنتاج قليل
قفز سعر صفيحة زيت الزيتون هذا العام إلى 100 ألف ليرة سورية، بعد أن كان سعرها في العام الماضي يتراوح ما بين 30 إلى 35 ألفاً في موسم عصر الزيتون، إلا أن زيت الزيتون في هذا الموسم، سيخرج من قائمة الطعام لدى غالبية الأسر السورية لغلاء سعر الصفيحة.
وقالت أم هيثم وهي ربة منزل: “زوجي موظف في إحدى الشركات الخاصة ويتقاضى راتباً شهرياً محدوداً، متسائلة: كيف نستطيع شراء تنكة زيت دفعة واحدة؟ مؤكدة أن زيت الزيتون لم يعد موجوداً على المائدة وسنضطر للتحول إلى الزيت النباتي المهدرج”. وتابعت: “كنّا في الماضي نشتري تنكة زيت ولكن بالتقسيط، أما هذا العام، الكل يريد أن يبيع الزيت دفعة واحدة بدون تقسيط”، لافتة إلى أن المزارع أيضاً لديه تكاليف باهظة بين قطف الزيتون ونقله إلى المعصرة، ومن ثم أجور عصره، فكل هذه النفقات تضاف إلى الزيت.
صعوبات تسويقية
وأكد أحد مستثمري زيت الزيتون، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، أن ضعف القوة الشرائية لدى غالبية الأسر السورية سيشكّل عائقاً كبيراً أمام تصريف المنتج محلياً، لافتاً إلى وجود صعوبات كبيرة في تسويق الزيت خارجياً بسبب العقوبات الأمريكية الجائرة المفروضة علينا، وانتشار وباء فيروس كورونا في العالم. وتابع يقول: نحن الآن نواجه مشكلة في تسويق الإنتاج، ونأمل من الحكومة تقديم تسهيلات لتصريف الإنتاج في الدول المجاورة.
اكتفاء ذاتي
الكثير من الأسر في محافظة السويداء لجأت في الآونة الأخيرة، وبعد أن بدأ سعر صفيحة زيت الزيتون بالقفز قفزات نوعية، إن لم تكن خيالية، إلى زراعة هذه الشجرة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، إذ لا يخلو منزل في السويداء أو ريفها من هذه الشجرة.
ورأى أبو حسان أن المواطن في هذه الظروف الصعبة عليه أن يعتمد على مبدأ الاكتفاء الذاتي، وقال وهو يضع ثمار زيتونه مع أحد جيرانه: عندي أربع أشجار زيتون أنتجت هذا العام 210 كيلو غرامات، ومن المتوقع أن تعطيني صفيحتين من الزيت تكفي منزلي للموسم القادم.
إنتاج منخفض
المهندس أيهم حامد مدير زراعة السويداء أكد أن كمية زيت الزيتون المتوقع إنتاجها لهذا العام تتجاوز1200 طن تقريباً، مبيناً أن كمية إنتاج ثمار الزيتون قدّرت بنحو 9 آلاف طن، مشيراً إلى أنها منخفضة مقارنة مع العام الماضي حيث بلغت كمية الزيتون 11 ألف طن وكمية زيت الزيتون 1600 طن. وعزا حامد انخفاض إنتاج كمية الزيتون لهذا العام إلى ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف ووجود الرياح أثناء عقد الثمار، إضافة إلى أن أشجار الزيتون غير مروية (بعلية)، إذ تعتمد على كمية الأمطار الهاطلة.
وبيّن حامد أن المساحة الكلية المزروعة بأشجار الزيتون في محافظة السويداء بلغت 9896 هكتاراً وعدد الأشجار الكلي 1,5 مليون شجرة، كما بلغ عدد الأشجار المثمرة 1,3 مليون شجرة. وأشار إلى وجود 6 معاصر في المحافظة تستقبل كامل الإنتاج من المزارعين، موضحاً أن سعر عصر الزيت يتمّ تحديده من قبل لجنة التسعير في المحافظة، أما مديرية الزراعة فتقوم بحساب تكلفة عصر الكيلو غرام الواحد بـ 65 ل. س هذا العام.
خارج القائمة
ومع تأكيدات وزارة الزراعة أن تكلفة الصفيحة الواحدة من زيت الزيتون لا تتجاوز 56 ألف ليرة، إلا أنها تبلع ضعف هذا المبلغ وهذا يدفع إلى المطالبة بضرورة وضع هذه المادة في قائمة التسعير المركزي لأهميتها الغذائية، وضرورة وجودها في كل منزل، إلا أن سعرها الجنوني المطروح حالياً يجعلها خارج قائمة بيت المونة لهذا العام.
ربا الهادي