تحقيقاتصحيفة البعث

لغط حول إلغاء “إعفاءات” الأمتعة والأثاث للمقيمين بالخارج.. ماذا عن محفزات العودة؟

أثار إلغاء قرار الإعفاء الجمركي للسوريين المقيمين بالخارج لدى شحن الأمتعة الشخصية والأدوات والأثاث المنزلي التي يجلبها القادمون للإقامة الدائمة في سورية لغطاً كبيراً لدى معظم السوريين، سواء المقيمين داخل البلاد أم خارجها، لجهة عدم وضوح نص القرار، متسائلين عن الأسباب التي أدت إلى إصداره في هذا الوقت بالتحديد، معتبرين أن مثل هذه القرارات تحد وتعرقل  عودة السوريين، في حين تقاذفت الجهات المعنية مسؤوليتها عن هذا القرار، سواء الجمارك أو وزارة المالية التي كشف مصدر خاص فيها أن الجمارك هي من أعدت القرار ورفعته إلى الجهات المعنية، أي رئاسة الحكومة، فيما أكد مصدر من الجمارك أنه، كجهة تنفيذية، ليس عليهم سوى تنفيذ القرار!.

كان مسموحاً!؟

ترى الدكتورة لمياء عاصي “خبيرة ووزيرة سابقة” أن الموضوع إداري، والهدف منه – باعتقادها – هو الحد من سوء استغلال موضوع العفش للمغتربين خصوصاً في ظل إلغاء أو تعليق معظم المستوردات، مستغربة كيف كان مسموحاً للمغتربين إدخال فرشهم وأدواتهم معفاة من الجمارك! مؤكدةً أن هذا القرار يحتاج إلى تعليمات تنفيذية تحدد تماماً آلية التنفيذ، وأنها بشكل عام مع القرار ومع زيادة إيرادات الدولة من خلال فرض الرسوم الجمركية، أما الحديث عن مساهمة المغتربين في إعادة الإعمار فلا يوجد أي مؤشر بأن مثل هذه القرارات تؤثر سلباً على موضوع استثمارات المغتربين.

في سياق العودة! 

رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر، المهندس خلدون الموقع، يرى أنه من المؤسف أن إصدار أي قرار لا يترافق مع المبررات والأسباب الواجبة لإصداره، وبالتالي نقاشنا دوماً ينحصر بتقييم ومناقشة مفاعيله على الأرض، وقرارات كثيرة تتجاوز أهداف نصوصها. أما بالنسبة للقرار الجديد بفرض ضريبة جمركية على الأثاث والأدوات والأمتعة الشخصية التي يجلبها القادمون السوريون للإقامة في سورية، فبالتأكيد لا ينسجم مع واقع الحال والظروف المادية للسوريين العائدين الذين هم في أغلبيتهم من ذوي الدخل المحدود، والذين يغادرون بلدان الإقامة أو اللجوء أصلاً بسبب ارتفاع  تكلفة المعيشة فيها، وبالتالي ليس من المنطق في ظل ظروفهم المادية الصعبة أن ندفعهم ليبيعوا أثاثهم وأدواتهم المنزلية المستعملة بأبخس الأثمان، ليشتروا أثاثا آخر جديدا بأسعار أعلى بكل تأكيد، دون أن ننسى الصعوبة الكبيرة في وضع المقاييس والمعايير العادلة التي ستحدد القيمة الضريبية بضوابط واضحة ينتفي فيها عامل الاجتهاد، لأثاث وأدوات منزلية مستعملة مختلفة النوعية والحالة الراهنة، لذا من الضرورة إعادة النظر في هذا القرار، في هذه الفترة على الأقل مراعاةً للظروف الخاصة.

لا يُلغى بقرار!

المحامي ناهل المصري أوضح أن  القانون لا يُلغى بقرار، والقرار لم يُلغِ قانونا ولم يُلغِ إعفاء، وإنما قرار سابق يفسر ويوضح القانون وفق التفويض الذي منحه  القانون نفسه لرئيس مجلس الوزراء، لذلك كان من المفترض  قبل إلغاء القرار أو بشكل متزامن معه أن يصدر قرارا بديلا  يحدد الشموليات ويعرف الأثاث حتى لا نقع بفترة ضائعة لا يعلم الناس ما عليهم فعله، أو حتى الجمارك لا تعرف ما عليها فعله  ويبقى الأمر “مجهولا”.

يضيف المصري: بالنسبة للقرار وحتى نفهم حيثية ما حصل، علينا أن نعود للمادة 178 من قانون الجمارك، والتي أعفت من الرسوم الجمركية الأمتعة الشخصية والأدوات والأثاث المنزلي الخاص بالأشخاص القادمين للإقامة الدائمة، والقانون نفسه في المادة ذاتها حدد أو كلف أو فوض رئيس مجلس الوزراء أن يحدد مدى شمول هذا الإعفاء، أي أعطاه صلاحية تعريف الأمتعة الشخصية والأثاث “ما المقبول أن يدخل تحت هذا البند، وما هو المستثنى”.. إذاً هو اختصاص ممنوح لرئيس الوزراء من قبل القانون نفسه، وبناء عليه صدر القرار  4412 لعام 2006، أي عام صدور قانون الجمارك نفسه، وطبعاً القرار الملغى، أي القرار 4412، حدد ما هي الأمتعة الشخصية، وحدد المستثنى، واشترط أيضاً أن يكون الأثاث لأسرة  واحدة، وأن يكون قديما أي موجودا في منزل الأسرة خارج البلد “عفشهم الأساسي” على أن يكون الإعفاء لمرة واحدة، ومنعهم من بيعه خلال مدة محددة، إضافة إلى عدة شروط أخرى.. إذاً القرار كان شاملا يوضح ما  هي الأمتعة الشخصية، حتى لا نكون في جهالة، وكيلا يترك الأمر مفتوحا للموظف أو المسؤول عن تطبيق القانون.. ولكن ما حصل مع صدور هذا “الإلغاء” أعادنا لحالة الجهالة، وعدم فهم القانون وتفسيره، خاصةً وأن القانون أساساً كان يحوي عيباً لم يكن واضحاً، وترك الموضوع لرئاسة مجلس الوزراء التي وضحت القرار ثم ألغت القرار الذي يوضح.. إذاً السوء بالموضوع أنه أعادنا إلى حالة غير معروفة “غمغمة” تقبل كل التفسيرات والأوجه، وهنا لا بد أن نشير إلى أن القرار 4412 كان يتضمن قيما واستثناءات ربما تتناسب مع 2006 – تاريخ صدوره – واليوم ومع تغير الظروف واختلاف الأوضاع والتطورات الكثيرة الحاصلة وسياسة رفع الأسعار التي تنتهجها الحكومة، كان من الطبيعي أن يغيروا بشمول هذه الاستثناءات ويحددوا استثناءات جديدة، وأن يلغوا الاستثناءات ويرفعوا قيما ويزيدوا قيما، وطبيعي أن يعدلوا القرار أو يستبدلوه أما إلغاؤه دون إشارة لأي شيء، وتركه عاما.. هذا سيء جداً، لذلك الطبيعي والبديهي أن يصدر قرار بديل للقرار 4412 بعد إلغاء هذا القرار يوضح  الأمتعة الشخصية وما المقصود فيها، وفي حال  لم يصدر أو تأخر، فهناك  مشكلة ما ستفتح بابا كبيرا وجديدا من الفساد! وسيلحق الضرر بكثيرٍ من المواطنين الذين قد يجلبون  أثاث منازلهم، ويُقال لهم أنها غير مشمولة بالإعفاء ما سيكلفهم ضرائب كبيرة، لأن القانون – كما ذكرنا – لم يكن واضحاً، والأمر متروك للشخص الذي يطبق القانون. وبالمقابل سيستفيد منه الكثيرون، وعلى العكس طالما الأمر مفتوح فيمكن أن يكون هناك باب جديد للفساد، ولإدخال أشياء كثيرة تحت مسمى الأمتعة الشخصية.. إذاً  للأمر وجهان، وطبعاً القانون لم يحدد ولكن القرار الملغى حدد وطالما تم إلغاء القرار  عاد الأمر مفتوحاً.

خلاصة 

إذا كانت الأمور تسير بشكلٍ سليم  فيجب أن يصدر وبأسرع وقت قرار يحدد الاستثناءات والشموليات والإعفاءات، فإذا تأخر أو لم يصدر فإن وراء الأكمة ما وراءها!!.

 لينا عدرة