صناعة القش في السويداء…
“البعث الأسبوعية” ــ ربا الهادي
تحاول السيدة فايزة فيصل (45 عاما)، من بلدة شقا بريف السويداء الشمالي الشرقي، ترسيخ مهنة صناعة القش التراثية التي ورثتها عن أجدادها، لتقدمها للأجيال القادمة بأساليب تقليدية تحمل في طياتها عبق الماضي، ساعية من خلال هذه المهنة أن تأخذنا إلى عوالم تلك الحقبة التاريخية العطرة بما تحمله من مفردات تراثية.
وفي زمن ليس ببعيد كانت تلك الأدوات التي استخدمها أجدادنا في حياتهم اليومية موجودة ومتألقة ولا يكاد يخلو منزل منها، ولكن مع تقدم الصناعات الآلية ودخولها كمنافس في الأسواق، راحت تلك الصناعات اليدوية تخرج رويدا رويدا من الأسواق ولتصبح على الرف كما يقال، ولكن السيدة فايزة لم تسمح لمهنة صناع القش أن تبقى بعيدة عن ذاكرة الأجيال لهذا أخذت على عاتقها إعادتها إلى الواجهة حتى يتعرف عليها الجيل المعاصر لا أن تبقى في ذاكرة من عاصرها فقط.
وعبرت فيصل لـ “البعث الأسبوعية” عن شغفها بهذه المهنة التي ورثتها عن أمها التي كانت تصنع الأطباق المصنوعة من القش للاستخدام المنزلي لعدم توفر البديل في ذلك الوقت، وبأدوات من البيئة التي تعيش بها، ولم تخفي ما ينتابها من حزن شديد لغياب هذه المهنة عن الساحة رغم أهميتها كتراث يجب المحافظة عليه.
وتابعت تقول، وهي تقف بين أطباق القش التي صنعتها يداها بعناية فائقة خلال مشاركتها بأحد المعارض في مدينة السويداء “في السابق كان الأجداد يصنعون الأدوات المصنوعة من القش لحاجاتهم الماسة لها في حياتهم اليومية، لكن اليوم حاولت أن أنقل هذا التراث بطريقة فيها روح الماضي وعبقه، وبنفس الوقت تحمل قيم جمالية تتناسب مع تطور الحياة”.
وروت فيصل كيفية تعلمها لهذه المهنة التقليدية من أمها التي توفيت منذ فترة من الزمن، والأدوات البدائية التي صنعتها لم تكن جيدة في البداية، مؤكدة أن إصرارها على إتقان هذه المهنة هو الذي دفعها إلى الإكمال بها، لتكون ذاكرة تراثية تنقلها للأجيال الصاعدة. وقالت: “في سن العاشرة من عمري كنت أراقب أمي في ليالي الشتاء الباردة، وهي تصنع الأطباق، وبعض الأدوات التي يحتاجها البيت، وأمضي ساعات طويلة وأنا أجلس بقربها كي أتعلم منها كيفية تشكيل الرسومات على الأطباق، وآلية تكوينها، إلى أن سمحت أمي لي بصناعة طبق صغير.
وأشارت إلى أنها عمدت إلى زراعة القمح في أرضها هذا العام، وقامت باستخدام عيدان القش التي تشكل العصب الرئيسي لهذه الصناعة، مبينة أن صناعة القش تمر بعدة مراحل تبدأ من الحصول على عيدان القمح الطويلة، ثم تقوم بإزالة السنابل منها وبعدها تقوم بصباغة قسم منها بالألوان بطريقة بدائية كما كان الأجداد يفعلون، ومن ثم تقوم باختيار الشكل الذي تنوي صنعه والرسمة التي ستضعها على تلك التحفة أو تلك لتخرج بعد فترة من الوقت عملا فنيا يحمل الكثير من الجمال.
من جانبها، عبرت أمل منصور من مديرية البيئة في السويداء عن إعجابها بما صنعته فايزة فيصل من أدوات التي تعد أدوات تراثية وتشكل رموز ومفردات تراثية من المحافظة، معتبرة أ الأعمال التي قدمتها فايزة هي أعمال متقنة ويكفي أنها إنتاج بيئي كامل، فهي تزرع القمح وتصنع منه القش بطريقة فنية مبتكرة.