أستراليا ومعمودية بالدم.. غالباً ما ينتهي المطاف بمحاكمة المهزومين في الحرب!!
“البعث الأسبوعية” ــ سمر سامي السمارة
في بيان رسمي، قدم قائد قوات الدفاع الأسترالية، الجنرال أنغوس كامبل، اعتذاراً صريحاً للشعب الأفغاني عن “الجرائم التي ارتكبتها القوات الأسترالية الخاصة في أفغانستان، بين عامي 2005 و2016″، وذلك بعد نشر السلطات الأسترالية، قبل يوم من ذلك، تقريراً يتضمن نتائج تحقيق عسكري حول الانتهاكات المرتكبة، مستنداً لأكثر من 400 شهادة، وتحليلات لعشرات الآلاف من الوثائق التي وصفت الجرائم المرتكبة – غير المبررة – التي بدأت في العام 2009، ووقعت في معظمها بين عامي 2012 و2013، بأنها “أعمال قتالية في ساحة المعركة”.
وبين عامي 2001 و2013، أرسلت أستراليا التي شاركت في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة 1500 جندي إلى أفغانستان، وبقي، منذ العام 2013، حوالي 300 جندي آخرين للمشاركة في إتمام مهمة تدريب عسكري لعناصر من الجيش الأفغاني.
بدأ التحقيق في جرائم الجنود الأستراليين في أفغانستان عام 2017، وأشار إلى أن 25 من أفراد الخدمة الفعلية وأفراد القوات العسكرية الأسترالية السابقين، بالإضافة إلى قادة الدوريات الأسترالية الخاصة في أفغانستان – على الأغلب – أجبروا المجندين على قتل معتقلين لتعزيز تجربتهم الأولى في القتل، وسميت هذه الممارسة بـ “معمودية الدم”.
وأعلن الجنرال كامبل في بيانه أن القضايا الموجهة ضد 19 من الجنود الذين لا يزالون في الخدمة الفعلية والعسكريين الأستراليين السابقين، ستُحال قريباً إلى محقق مختص لتحديد ما إذا كانت هناك أدلة كافية لمتابعة جرائم قتل بحق 39 أفغانياً كانوا معتقلين على الرغم من عدم حيازتهم للسلاح، وسيعاد تنظيم، أو حل، القواعد والوحدات العسكرية المذكورة في التقرير، وتجريد الأشخاص المذكورين في التقرير من مكافآتهم ورتبهم، كما سيتعين دفع تعويضات لأسر الضحايا.
وقد تكثفت المناقشات في دول عديدة حول الحاجة إلى جلسات استماع أمام المجتمع الدولي بشأن تلك الأنواع من الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة وحلفاؤها خلال عمليات التدخل المسلح الأخيرة، في السنوات الأخيرة. وتم التذكير على وجه الخصوص بأن الدول الغربية بدأت حرباً في ليبيا استناداً إلى أخبار “ملفقة” حول المذابح والجرائم التي ارتكبها العقيد القذافي بهدف تعزيز مصالحها الخاصة في الاستيلاء على ليبيا.
وعلى الرغم من أنه تم تدمير دولة قوية في أفريقيا بشكل كامل، وإعدام زعيمها، في سياق هذه الحرب، إلاَ أن جرائم الحرب التي ارتكبتها الدول الغربية لا تزال دون عقاب حتى يومنا هذا، وهو الأمر الذي طالب به خبراء دوليون مراراً. وبالرغم من المداولات الكثيرة التي جرت مؤخراً في فرنسا حول تمويل العقيد القذافي لحملة نيكولا ساركوزي الانتخابية، في عام 2007، فإن المحكمة الجنائية الدولية، التي خولتها الأمم المتحدة مهمة محاكمة المسؤولين عن ارتكاب جرائم خطيرة، لم تبد رأيها بعد في المسؤولية التي تتحملها دول الغرب وحلفاؤها عن هذه الحرب.
وقد اتُهمت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، بشكل صريح، بالحفاظ على حالة تعتيم مستمرة حول جرائم الحرب التي ارتكبتها الدولتان. ومن المعروف أن الولايات المتحدة كانت على خلاف مع المحكمة الجنائية الدولية، ووصفتها بأنها “ميتة عملياً”، كما فرضت عقوبات على قضاتها بسبب سياسة المحكمة تجاه الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل. وبحسب خبراء بريطانيين، أظهرت الإجراءات التي اتخذتها واشنطن، والهجمات التي شنتها إدارة ترامب على المحكمة الجنائية الدولية، الوجه القبيح لـ “الاستثنائية” الأمريكية، والتي كانت منذ عام 2012 وراء حملة إعاقة عمل ممثلة الادعاء في المحكمة، فاتو بنسودة، بعد مبادرتها لفتح تحقيق رسمي بشأن الجرائم المحتملة التي ارتكبها الأمريكيون وحركة طالبان في أفغانستان منذ عام 2001.
في غضون ذلك، قامت الولايات المتحدة بالكثير من الانتهاكات التي يجب محاسبتها عليها، مثل حالات الإعدام والاعتقال خارج نطاق القانون، والتعذيب وإيقاع إصابات جسيمة بين المدنيين، وكلها يمكن تصنيفها كجرائم حرب في أفغانستان.
ومع ذلك، فهذه ليست الدولة الوحيدة التي تركت فيها الولايات المتحدة بصماتها فيما يتعلق بجرائم الحرب، فهي متورطة أيضاً بارتكاب جرائم حرب في الصومال، وهذا ما أشارت إليه وسائل الإعلام الأمريكية، نقلاً عن تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية. وعلى الرغم من تصريحات الجيش الأمريكي التي تفيد بأن أي مدني لم يقتل بسبب الغارات الجوية على الإرهابيين هناك، وجدت منظمة حقوق الإنسان أن العديد من الإصابات وقعت بين المدنيين.
ومن المؤكد أنه حيثما يطأ جنود الولايات المتحدة الأمريكية بأقدامهم، وتتدخل واشنطن في السياسات الداخلية للدول ومصالحها الوطنية في محاولة لتغيير السياسات والأنظمة، فإن مآسي على نطاق واسع تحدث، حيث تظهر الآثار الدموية للولايات المتحدة في كل مكان، كما كان الحال في فيتنام، اليابان، كوريا، كوبا، بنما، غواتيمالا، نيكاراغوا، المكسيك، الفلبين، أفغانستان، العراق، إيران، وأخيراً سورية.
وعلى غرار الولايات المتحدة، عارضت بريطانيا المحكمة الجنائية الدولية، ورفضت المصادقة على تعديل جديد من شأنه توسيع سلطة المنظمة، والسماح لها بمراجعة القضايا التي تنطوي على أعمال عدوانية ضد الدول الأخرى. ويرى خبراء في القانون الدولي أنه لو تم تمرير هذا القانون في وقت سابق، لتخلت السلطات البريطانية عن غزوها للعراق في عام 2003. أما بالنسبة للأنشطة التي قام بها نظام القضاء البريطاني، فسوف يكون من المفيد التأكيد مجدداً على مدى أهمية قيام رئيس أركان الجيش العراقي السابق، في عام 2017، برفع دعوى قضائية ضد توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، في لندن، بتهمة العدوان العسكري الذي سمح به في العراق، وضرورة تقديم الجنود البريطانيين للعدالة بسبب جرائم الحرب التي ارتكبوها في العراق.
بغض النظر عن جميع الدعاوى المضادة، ينبغي اعتبار العدالة الدولية إنجازاً عظيماً للإنسانية، لأنها تتيح تقديم تعويض للضحايا، كما أنها بمثابة تحذير لعمليات الإجرام المحتملة. ومع ذلك، فإن العديد من الحروب والنزاعات المسلحة التي حدثت، لا تؤدي إلى إدانة المجتمع الدولي للمذنبين الذين يقومون بذلك، أو لأولئك الذين ارتكبوا جرائم حرب.
لسوء الحظ، في كثير من الأحيان، في الحالات التي يوجد فيها منتصر في الحرب، ينتهي المطاف فقط بمحاكمة المهزومين، لذا فالمسألة التي تدور حول ما إذا كان يجب محاكمة الأشخاص على جرائم الحرب هي قضية لا تزال دون حل.