مجلة البعث الأسبوعية

الكونكورد.. مشروع بعيد المنال أم مجرد أضغاث أحلام!؟

“البعث الأسبوعية” ــ وائل علي

الـ “كونكورد” اسم لأهم وأكبر مشروع سياحي استثماري قادم على شاطىء المتوسط، وقع عقد تنفيذه واستثماره منذ العام 2007، في موقع ضاحية الفاضل، مجلس مدينة طرطوس – مالك الأرض – مع مجموعة وحود غروب وشركائها العرب؛ حيث قدم مجلس المدينة للمجموعة المستثمرة، و”على طبق من ألماس”، أحد ثاني أهم موقع سياحي استثماري بعد مشروع جونادا السياحي – غير المنته لتاريخه – والذي تستثمره ذات المجموعة داخل الحدود الإدارية لمدينة طرطوس، التي ضحت لأجله، مع وزارتي السياحة والإدارة المحلية (.. وبمباركة وموافقة رئاسة مجلس الوزراء – حينها) بقرابة أربعمئة فيللا سياحية “على المفتاح”، جمالونية الشكل، قرميدية الأسقف، مكسية بالحجر الأبيض الحلبي، ومزودة بالتدفئة المركزية المستقلة لكل فيللا، مع مساحات واسعة من المسطحات والجزر الخضراء والحدائق والشوارع والساحات والمرائب والوجائب، التي تضاف لها إطلالة بحرية وشاطىء رملي بديع قبالة جزيرة أرواد، في مشهد رومانسي “ولا في الأحلام ولا الأفلام!!”، لتشكل مجتمعة ما كان يعرف بضاحية الفاضل التي تحولت، بجرة قلم – مع الأسف – إلى “كومة” أنقاض – قبل أن تدخلها قدم سائح – لتصبح أثرا بعد عين، قبل عقدين من الزمن، ويتحول موقعها الفريد إلى مكب للأنقاض ورمي المخلفات؛ ولتبدأ “الضاحية المنكوبة” حكاية مأساوية من نوع آخر.. حكاية من حكايا التسويف والإهمال والاستهتار والقوانين المثبطة التي تجعل مشروعا بديلا بحجم الكونكورد “مكانك راوح”، لعقد ونصف من الزمن!!

فما هي حكاية مشروع حلم طرطوس “الواعد” كونكورد؟

 

مكونات الكونكورد

فوزي الشيخ ديب، المهندس المشرف على الكونكورد من قبل الشركة المستثمرة، قدم عرضا لمكونات المشروع الذي يضم قسمين: شرقي وغربي، يفصل بينهما شارع شاليهات الأحلام، حيث تصل مساحة القسم الشرقي إلى 156,512 م2، ومساحة القسم الغربي إلى 60 ألف م2. ويتضمن القسم الشرقي مبنى إداريا ومنتجعا صحيا وسينما كونكورد ومركز تجاري (مول)، ونادٍ وأبنية سياحية تضم شققا سياحية؛ ويصل عدد كتل الأبنية إلى 55 كتلة يتراوح ارتفاعها ما بين 5 طوابق إلى 22 طابقا، إضافة الى ممرات وحدائق ونوافير وملاعب.

أما القسم الغربي فيتضمن فندقا ومطعما وشاليهات طابقية وكبائن ومحلات تجارية، ويصل عدد كتل الأبنية إلى 21 كتلة.

 

ملاحظات

يقول الشيخ ديب: من خلال معايشتي للمشروع وتعاملي معه عندما كنت رئيسا لدائرة التخطيط والتنظيم العمراني، ثم مديرا للشؤون الفنية في مجلس مدينة طرطوس، واطلاعي على القوانين والأنظمة النافذة، ومن خلال عملي مع الشركة المنفذة، فإن هناك جملة من الملاحظات التي تؤخر الإقلاع بالمشروع.

فعندما طرح المشروع للإعلان – يتابع الشيخ ديب – وضع له دفتر شروط فنية وفق الخبرة والمعلومات المتوفرة لدى مجلس المدينة، والأنظمة والقوانين النافذة المعمول بها آنذاك، والتي تضمنت عددا من البنود الفنية، مثل نسبة إشغال الأرض وعامل الاستثمار ومدد التنفيذ والاستثمار والزام المستثمر وضع مخطط تفصيلي لاستخدام الأراضي وتوزيع الكتل والفعاليات.

وبعد انتهاء إجراءات التعاقد، وإعطاء أمر المباشرة، تقدم المستثمر بمخطط تنظيمي تفصيلي للمشروع تضمن استخدامات الأراضي والفعاليات وتوزيع المباني ومواصفات المباني وعدد الطوابق والمساحات الطابقية والمخططات المعمارية لأغلب المباني؛ وبما أنه يتوجب الحصول على رخص البناء أصولا من مجلس المدينة، وفق الأنظمة والقوانين النافذة، ووفق المخطط التنظيمي التفصيلي، ونظام ضابطة البناء النافذين – وهذه لا تتوفر في الموقع – فقد توجب تعديل المخطط التنظيمي العام للموقع، ووضع برنامج تخطيطي، ومخطط تنظيمي تفصيلي للموقع، بما يتناسب مع رؤية مجلس المدينة والمشروع المقترح وفق الأسس والمعايير المتبعة، مع الإشارة إلى أن تعديل المخطط التنظيمي العام ووضع مخطط تنظيمي تفصيلي تم وفق المرسوم رقم 5 لعام 1982.

 

دروس الكونكورد

ما سبق ذكره كان المسار الطويل المعقد الذي سلكته إضبارة ترخيص مشروع ضاحية الفاضل (كونكورد)، عدا معاناة تجهيز الإضبارة والمناقشات وإعادة الدراسات وتنظيم المخططات لعدة مرات، خاصة المتعلقة بالمخطط التنظيمي.

مع ذلك، فإن من الممكن البناء على ما سبق لتلافي تكرار تلك الإجراءات مع المشروعات الأخرى، والقياس عليها لتفادي نفور المستثمرين من بيروقراطية الإجراءات وتعقيداتها، وصولا لتقديم عروض للاستثمارات بلا تعقيدات!!

ومن المفيد هنا بالطبع إصدار نظام خاص باستثمار المشاريع السياحية الكبرى يتجاوز الوحدات الإدارية موضوع المرسوم رقم 5 لعام 1982، وتراعى فيه أسس التخطيط العمراني المناسب للمشاريع السياحية والبيئة الحضرية المجاورة، وطريقة منح رخص البناء لهذه المشروعات، ويلبي حاجة الوحدات الإدارية ومصلحة المستثمر.

ولهذا، لا بد أن تصدر تعليمات خاصة بالمشاريع السياحية – خاصة الكبيرة – توضع في الإعلان ودفاتر الشروط الفنية، وتبين بشكل واضح وصريح تفصيلات المشروع وشروطه العمرانية، وتفرض على المتقدمين تقديم رؤيتهم للمشروع من توزيع الفعاليات واستخدام الأراضي والصفات العمرانية وتوزيع الأبنية ومواصفاتها وعدد الطوابق والمساحات التي سيقام المشروع وفقه.

ويتم توجيه اللِجان الفنية التي تقيِّم المشاريع المقدمة للأخذ بالحسبان المخططات المقدمة، وتقييمها أولا من جهة التخطيط والتنظيم واستخدام الأراضي وتوزيع المباني والفعاليات وإعطائها العلامة الأكبر ومن ثم تقييم المباني، والاطلاع على الأنظمة والقوانين المتبعة في الدول المجاورة – مصر ولبنان على سبيل المثال – والناظمة لأعمال المشاريع السياحية، خاصة المشاريع المقامة على أراض مملوكة للدولة، علما أن صناعة السياحة في سورية جديدة، وقد سبقتنا هاتان الدولتان بهذه الصناعة، خاصة وأن صناعة السياحة فيها من الموارد المالية المهمة، حرصا على الوقت اللازم لتنفيذ المشروع، وعدم إضاعة الوقت في اعتماد المخططات التي تقدم من قبل المستثمر وتجنبا للمشكلات التي قد تحدث لاحقا.

 

بتقديرنا..

إن مراحل تعديل المخطط التنظيمي العام والتفصيلي، وإعداد البرنامج التخطيطي وفق هذه المراحل، تستغرق مددا زمنية طويلة قد تصل إلى سنوات، لا ذنب للمستثمر في تحمل تبعات انتظار تعديلاتها ودهاليزها وروتينها، وما على الجهة المسوقة للاستثمار على ممتلكاتها إلا أن تسلم مواقعها للراغب في الاستثمار “خالية من العلام” – إن جاز التعبير – وإلا سندخل في مقتل الزمن وإضاعة الوقت، وهذا ما لا مصلحة لأحد به؛ وما زاد الطين بلَة في مشروع الكونكورد تلك الأحداث الأليمة التي مرت بها البلاد، منذ العام 2011، ما أثر كثيرا على مدد المراحل المذكورة في تعديل المخطط التنظيمي العام ووضع مخطط تفصيلي له.

 

والآن!؟

وبعد إصدار المخطط التنظيمي التفصيلي بشكله النهائي، عام 2015، تقدم المستثمر بمخططات المشروع إلى مجلس المدينة لمطابقتها مع المخطط التنظيمي التفصيلي، ونظام ضابطة البناء النافذين، بعد استدراك الملاحظات المطلوبة. وقد رفعت إلى وزارة السياحة لدراستها وتدقيقها وفق الأنظمة والقوانين والأسس المعمول بها، وإصدار رخصة الإشادة السياحية، وتم ذلك بشكله النهائي نهاية العام 2020، وأحيلت مخططات المباني المراد إقامتها إلى مجلس المدينة لدراستها وفق المخطط التنظيمي ونظام ضابطة البناء لإعطاء الموافقة المبدئية على الترخيص لتصديق مخططات البناء من قبل نقابة المهندسين، وتقديمها إلى مجلس المدينة لإصدار رخص البناء, وحاليا المخططات لدى مجلس المدينة لإصدار الموافقة المبدئية على الترخيص بعد أن تمت مناقشة المخططات مع مجلس المدينة وتنفيذ الملاحظات الموضوعة بما لا يخالف رخصة الإشادة السياحية.

 

قيد الإعداد

حسان نديم حسن مدير الشؤون الفنية بمدينة طرطوس قال: لقد وافق مجلس المدينة على رخصة الإشادة السياحية، وتمت موافاتنا بها، والطلب من المستثمر تقديم الإضبارة التنفيذية وهي قيد الإعداد حاليا لمنح التراخيص النهائية للمشروع.

فهل نشهد قريبا تنفيذ أول أعمال الحفر لأساسات مشروع الكونكورد السياحي وبناه التحتية؟

أم سيظل مشروعا بعيد المنال، إن لم يكن مجرد أضغاث أحلام!؟