مجلة البعث الأسبوعية

المناخ في سورية.. هل تغيرت مواعيد الفصول الأربعة ؟!

“البعث الإسبوعية” ــ ميس خليل

لم يتوقف تأثير جائحة كورونا على الجانب الصحي في العالم، فقد تعداه إلى الكثير من المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والمناخية، وإن كانت هذه الأخيرة المستفيد الأكبر – بالمعنى الإيجابي للكلمة – من باقي الفئات التي شهدت خسارات، سواء بالأرواح “موت مئات الآلاف من البشر حول العالم”، أو بتدهور الاقتصادات العالمية وانكماشها، وفي كثير من الأحيان انهيارات أدت إلى الإفلاس والإغلاق التام، ولكن – كما ذكرنا – يبقى المناخ الرابح الأكبر من جائحة كورونا، حيث أدى الإغلاق الكبير الذي نفذته الدول لمواجهة التبعات المدمرة للفيروس التاجي، ولاسيما في الدول الصناعية، إلى انخفاض انبعاث الغازات السامة والضارة بالبيئة، الأمر الذي تجلى بشكل كبير في تقلص ثقب الأوزون وفق المنظمات الدولية المهتمة بهذا المجال. وقد أدى هذا التطور المهم إلى تغيرات مناخية كبيرة مرافقة لفصول السنة، تقديماً أو تأخيراً، فلاحظنا في منطقتنا، وسورية بالتحديد، امتداد فصل الصيف أكثر من المتوقع، حتى مع بداية الانقلاب الخريفي، حيث شهدت البلاد مرتفعات جوية أدت في تشرين الأول، مثلاً، إلى تسجيل درجات حرارة قياسية (42 درجة مئوية) ساعدت، في حينها، على نشوب حرائق غير مسبوقة في تاريخ الساحل السوري مثلاً، وأيضاً مرور شهري أيلول وتشرين الأول دون تسجيل هطولات مطرية تذكر، وكأن هناك تغيراً ما حصل على الواقع المناخي، فهل هذا كله عائد إلى تأثيرات كورونا، والصفاء الذي نعمت به الكرة الأرضية، من تقلص حجم الانبعاثات السامة؟ أم أن له أسباباً أخرى؟

رئيس مركز التنبؤ الجوي شادي جاويش رأى أن سورية تتميز بأنها ضمن العروض الوسطى بوجود أربع فصول واضحة، وعندما تكون هناك انزياحات فصلية فإنها واضحة أيضاً. وأضاف أن الانزياحات التي تحصل ناتجة عن تغيير مواقع الكتل الهوائية على الكرة الأرضية، نتيجة التقلبات المناخية الحاصلة، وما جرى من تغييرات أثناء كورونا دليل على ذلك.

وأضاف جاويش: آخر عقدين في الثمانينيات والتسعينيات كان شهر تموز يسجل موجات حر عالية، لأيام معدودة، ولكن في العقدين الأخيرين – من 2000 إلى 2020 – ازداد عدد الأيام التي تسجل فيها درجات حرارة عالية خلال الشهرين السابع والثامن، فكان يأتينا مثلاً أسبوعان تتجاوز الحرارة فيهما الأربعين درجة، أما في شهر أيلول فكنا نرصد تسجيل يومين أو ثلاثة تصل فيهما الحرارة إلى الأربعين، وفي هذا العام رصدنا لأكثر من ثلثي الشهر ارتفاعاً للحرارة كان الأعلى منذ خمسة عقود، كما سجلنا في فصل الربيع الماضي وصول كتل هوائية باردة متأخرة بقيت إلى مشارف الصيف.

بدوره، قال المتنبئ الجوي ماهر مرهج أن التغيرات المناخية ليست على مستوى منطقتنا، إنما على مستوى كوكب الأرض، ونتابع يومياً تقارير عن ذوبان الثلوج في القطبين، وثقب الأوزون، وغازات الدفيئة، وغيرها من القضايا المناخية غير المألوفة؛ وفي هذا السياق، رأينا حالات يمكن اعتبارها متطرفة طقسياً، كالفيضانات في مناطق ليست معهودة، وموجات حر شديدة في أوروبا، وموجات برد قارس في بعض مناطق الولايات المتحدة وكندا.

وعزا مرهج أسباب التغيرات المناخية إلى أسباب طبيعية هي خارجة عن إرادة الإنسان، ولها علاقة بالدورة الشمسية وبالدورة الهيدرولوجية على سطح الأرض، أو الدورة المائية من ناحية التيارات البحرية التي تلعب دوراً كبيراً في تأثيرها على الطقس على المقياس الزمني الطويل، ومنها أيضاً ما لها علاقة بدوران الأرض حول الشمس وميلان محور الأرض.

وبين مرهج أن هناك أسباباً ناتجة عن النشاط البشري، لاسيما بعد الثورة الصناعية، حيث عبث الإنسان كثيراً بالطبيعة، وأصبح يتدخل في التوازنات الموجودة فيها، ما انعكس على الطبيعة، وأدى إلى تغيرات مناخية الأهم فيها هو زيادة نسب الغازات في الغلاف الجوي، أو ما يسمى بغازات الدفيئة (بخار الماء، وثاني أكسيد الكربون، والميثان، وغازات عائلة السي اف سي) التي تؤثر على انعكاسية الإشعاع الأرضي، وتسمى هذه الظاهرة ظاهرة “البيت الزجاجي”، وتعمل على عكس الإشعاع الأرضي – بدلاً من أن يتسرب – خارج الأرض، ويعمل على تبريد الأرض، وتعمل زيادة نسبة هذه الغازات على رفع درجة حرارة الأرض ما يؤدي إلى انعكاسات كبيرة جداً. وفي سورية – والكلام لمرهج – أصبح الحديث عن التغيرات المناخية كثيراً في الفترة الأخيرة، نتيجة وضوح تأثير تلك التغيرات على المنطقة.. وبشكل عام، لم تكن التأثيرات واضحة ولكننا – كمختصين – كنا نلحظها، على سبيل المثال، من خلال موجات الحر الطويلة، وموجات الحر في الفصول الانتقالية، والأمطار الغزيرة على مدار العام، وحرائق الغابات الكبيرة، وليس على مستوى سورية فقط، ومن خلال شح الأمطار في بعض الموسم، أو طول الموسم المطري في بعض المواسم. وقد أدت هذه التغيرات إلى انزياح فصل الصيف قليلاً إلى فصل الخريف، وتأخر الموسم المطري.

بدورها عزت الدكتورة فاتنة الشعال، الأستاذة في الجغرافية الفيزيائية في جامعة دمشق، التغير المناخي الذي حصل إلى سببين: الأول ازدياد ميلان محور الأرض، والذي كان 23,5 درجة، ازدادت قليلاً، ما أدى لدينا – في نصف الدائرة الشمالي – إلى تغيير في الأقاليم المناخية، والسبب الثاني أن ثقب الأوزون كان – خلال فترة ما قبل انتشار فيروس كورونا – على اتساعه، ما أدى إلى ذوبان جليديات القطب الجنوبي وارتفاع مستوى البحار والمحيطات وتشكل الأعاصير. ولكن الحظر، بسبب كورونا، أدى إلى إغلاق ثقب الأوزون تقريباً، ما ساهم أيضاً بنظافة الجو، وبالتالي بدأ مستوى الأساس يستقر نوعاً ما.. فإذاً، نحن مقبلون على أي فترة جليدية – والكلام للدكتورة الشعال – من المعلوم أن الحقب الرابع ينقسم إلى قسمين: رباعي حديث، وهو الهولوسين، ورباعي قديم وهو البلاي سوسين، وفيه أربع فترات جليدية، هي جينز، وميندل، وريس، وفورم، والفورم يتخللها فترات دفيئة، ونحن كنا من قبل في فترة الدفيئة، وحالياً نحن مقبلون على فترة جليدية من خلال التبدلات المناخية التي حصلت في الحقب الرابع.

وتضيف الشعال أن هناك أسباباً محلية للتغيرات المناخية، كالزلازل التي تشكل الأعاصير والتسوناميات، وهذه تؤدي إلى تغيرات مناخية على المناطق المطلة على الساحل وعلى المناطق الداخلية. وختمت الشعال بأن هناك الكثير من الظواهر التي لا نستطيع أن نحددها، لأنها تتبع للظواهر الطبيعية التي تظهر فجأة، كالزلازل والبراكين، والتي تلعب دوراً أساسياً في تغيير المناخ.

أخيراً.. مع وجود أسباب مختلفة للتغيرات المناخية: زمانية لها علاقة بتغير طبيعة الأرض وتبدلها طبقاً للمتغيرات الحاصلة، ومكانية تتعلق بالإنسان ونشاطه عليها، تبقى التكهنات والتوقعات حول واقع المناخ هي الشغل الشاغل للناس، حتى لو كانت هذه الأمور غير قابلة للتصديق، أو غير ممكنة حدوث في ظروف بلد كسورية.