جعجعة وقائية تدين المؤسسات وواقع لا يخدم المواجهة مع كورونا نعمان: لابد من رؤية مستقبلية للتعامل مع التحديات البيئية
“البعث الأسبوعية” ــ بشير فرزان
الاعتراف بالتلوث البيئي وتعدد أشكاله وأنواعه بات الحالة الأكثر واقعية على صعيد البيئة، ولكن ما قيمة الاعتراف مع استمرار تسلل الملوثات إلى أجساد أولادنا، وبشكل يهدد صحتهم وحياتهم؟! قبل أن نسأل الجهات المعنية، علينا أن نسأل المواطن عن دوره ومسؤولياته لمواجهة حالات التلوث في ظل التعاطي السلبي مع حملات التوعية البيئية وعدم التقيد بالتعليمات والإرشادات، وبشكل حّول فاعلية النهج التوعوي الفعال الذي يخدم البيئة النظيفة إلى سراب، وجعل العمل البيئي بالنسبة له كمن يسمع جعجعة ولا يرى طحناً، وخاصة في هذه الظروف التي تزداد فيها المخاطر الصحية نتيجة وباء كورونا الذي يحصد المزيد من الأرواح.
العقود الأخيرة
لم تكن بيئتنا بخير خلال السنوات الماضية، سواء قبل الأزمة، أم خلالها، بل كانت مريضة تعاني من الملوثات والانتكاسات البيئية التي نقطف الآن تداعيات إهمالها وتجاهل واقعها.. هذه الخلاصة حملناها معنا إلى مديرية البيئة في وزارة الإدارة المحلية، حيث كان لقاؤنا مع الدكتور أحمد نعمان مدير البحوث البيئية الذي كان له بعض الملاحظات على رأينا، ولكن هذا لم يمنع التوافق حول الواقع البيئي الحالي لناحية الأضرار التي تكاثرت في خضم الأحداث التي بدأت منذ عشر سنوات، كما تمسك الدكتور نعمان بموقفه من أن البيئة حظيت – ولازالت تحظى – باهتمام كبير من خلال إدماج البعد البيئي في خطط الحكومة، إلا أنه لابد من إجراء التقييم البيئي المتكامل للوقوف على الوضع الراهن، ووضع الخطط اللازمة لتحسين الإجراءات المتخذة في سبيل حماية البيئة.
ولفت نعمان إلى أن ما تعرض له القطر من اعتداءات إرهابية ناتجة عن الهجمة العالمية على سورية زاد من التحديات التي تتعرض لها البيئة والضغوط التي يمكن أن تنتج عنها والآثار البيئية التي تنعكس على الإنسان بالدرجة الأولى، وعلى البيئة كنتيجة حتمية، وخاصة بعد توقف العمل في العديد من المشاريع والاستثمارات البيئية نتيجة لذلك.
رؤية مستقبلية
نعمان – الذي كان يحضر لتأسيس الفريق البيئي المعني بوضع تقرير حالة البيئة في سورية – لم يتوان عن التأكيد على أهمية وضع رؤية مستقبلية وآلية متكاملة للتعامل مع التحديات البيئية الحالية والمقبلة بصورة تضمن تقليص الضرر البيئي الناجم عن النشاط البشري، وتحد من آثار التخريب والتدمير للموارد البيئية والخدمية إلى الحد الأدنى، والسعي، بالتوازي مع ذلك، إلى إرساء دعائم مجتمع صديق للبيئة تنفيذاً للمهام الموكلة لوزارة الدولة لشؤون البيئة في قانون حماية البيئة رقم 12 للعام 2012، والتي من ضمنها تقديم تقرير سنوي عن الوضع البيئي في سورية إلى المجلس الأعلى لحماية البيئة، وأوضح أنه سيتم إعداد تقرير سنوي يبين الواقع البيئي في سورية بالتنسيق والتعاون مع مختلف الجهات والوزارات المعنية انطلاقاً من مبدأ التشاركية، وإعطاء الدور للجميع للمساهمة في حماية البيئة والحفاظ على سلامتها.
الرؤية والرسالة
تفاصيل التقرير، والعناوين العريضة التي سيتم البحث فيها، لخصها نعمان – خلال حديثه معنا – بالعديد من النقاط، حيث بيّن أنه سيتم تحليل حالة البيئة بناءً على منهجية التقييم البيئي المتكامل، والتي تتضمن وضع رؤية جديدة للمواضيع والقضايا البيئية من خلال وصف حالة البيئة فيها، وبيان توجهاتها المستقبلية، وربط حالة البيئة بالعوامل المؤثرة، أو الضاغطة، أو ما يعرف بجذور المشكلة الأساسية وصولاً لوضع الخطط والبرامج والاستراتيجيات اللازمة لحماية البيئة على أساس علمي سليم موثق ومدعم بالبيانات الدقيقة.
ولفت إلى أن تقرير حالة البيئة يهدف إلى تقديم وصف علمي دقيق لحالة البيئة الراهنة في سورية ووضعه في متناول أصحاب القرار والمجتمع، وتسليط الضوء على الضغوط والتحديات التي تتعرض لها النظم البيئية والموارد الطبيعية، وتحديد أسبابها وبيان آثارها على البيئة والإنسان، بما في ذلك الأعمال التخريبية التي قامت وتقوم بها المجموعات الإرهابية على كافة الأصعدة واقتراح الحلول العامة للمشاكل البيئية استناداً إلى البيانات والمؤشرات الحديثة وبمشاركة جميع الجهات المعنية في سبيل تحقيق البيئة السليمة لرفاهية الإنسان وتقدمه.
الأوساط البيئية
وحول عناصر التقرير ومخرجاته، أكد نعمان أنه سيتم استعراض نشاطات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، واستعراض حالة الأوساط البيئية نتيجة لتأثيرات وضغوطات التنمية بكافة أشكالها على مختلف عناصر البيئة، إضافةً إلى التعرض للقضايا ذات التأثيرات المتداخلة على البيئة والإنسان، واستعراض السياسات والإجراءات المتخذة في سبيل تحسين الواقع البيئي، حيث سيخلص التقرير إلى تقديم المقترحات والخطط المستقبلية وأولويات العمل البيئي في سورية، ثم سيوضع التقرير بمتناول أصحاب القرار والمجتمع الأهلي ليعمل كل في مكانه في سبيل حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة.
أما بالنسبة لخطة العمل التي تم البدء بتنفيذ خطواتها، فحددها نعمان بتشكيل الفريق الوطني لإعداد التقرير وإنتاجه، ومراسلة الجهات العامة ذات الصلة باحتياجات التقرير، وجمع وفلترة البيانات وتخزينها وتحليلها واستخلاص المؤشرات وتنسيق واعتماد التقرير(القطاع أو المورد – المشكلة البيئية – الأسباب والعوامل الضاغطة أو المؤثرة – الإجراءات المتخذة – الإجراءات والسياسات والاستراتيجيات المقترحة).
مضاعفة الجهد
من الصعب الآن في هذه المرحلة تقييم أي عمل بيئي أو الحديث عن خطوات متقدمة على صعيد مكافحة التلوث بكل إشكاله، ومن الخطأ الطعن بجدوى أي تقرير أو إطلاق حكم سابق بأن التكرار سيكون سيد المشهد البيئي، بحيث يطغى التنظير على التنفيذ، عدا عن صعوبة الحصول على بيانات صحيحة؛ وهنا نستذكر أننا، وقبل الأحداث، كانت لنا وقفة مع التلوث البيئي حيث عملنا على إنجاز تحقيق صحفي عن التلوث الهوائي الذي كان هدفنا، ولكن – كما قلنا – لم نجد في مديريات البيئة التابعة لوزارة الإدارة المحلية سوى الاعتراف بصعوبة المرحلة المتأزمة في مختلف المجالات، وحديث عام شبه غائم عن الواقع البيئي الموجود على الأرض وخاصة في مجال التلوث الهوائي.
ومن الضروري التذكير هنا – ونحن في فصل الشتاء والتدفئة – أن المواد التي يستخدمها الناس لتدفئة بيوتهم أكثر سمية وتلوثاً مع غياب المحروقات والكهرباء وارتفاع سعر الحطب، حيث يلجؤون إلى المواد البلاستيكية وغيرها من المواد الملوثة والمسرطنة لتدفئة بيوتهم وأطفالهم، وبذلك تزداد نسب التلوث الهوائي في زمن الكورونا والأمراض الصدرية الخطيرة، والجميع يعلم أن أسباب هذا النوع من التلوث تعود إلى استخدام كميات كبيرة من الوقود، سواء في وسائل النقل أو في التدفئة المنزلية أو في المنشآت الصناعية ومحطات التوليد، كما يؤثر حرق النفايات على تلوث الهواء وينتج عن ذلك الانبعاثات الغازية الملوثة للهواء، كثاني أوكسيد الكبريت وأكاسيد النتروجين وأول كسيد الكربون والمركبات الهدروجينية المختلفة، إضافة إلى الرصاص والعوالق التنفسية، لاسيما ذات الأقطار الأصغر من 10 ميكرون، والتي تخترق الدفاعات التنفسية حاملة معها المواد السامة، وبشكل ينعكس على صحة الإنسان وخاصة على الجهاز التنفسي والوعائي والقلب.
واقع الحال
حماية البيئة ومكافحة التلوث من أهم أساليب المواجهة مع وباء كورونا، وأي خلل فيها يبطل فعالية الكثير من الإجراءات الوقائية التي يصرف عليها مئات الملايين من الليرات في هذه الأيام العصيبة.
ولاشك أن هذه المواجهة الصحية والبيئية تعيش حالة من الوهن والضعف، وذلك نتيجة اختفاء الأرقام وغياب الإحصائيات عن التلوث الذي يجبرنا على الاعتراف بفشل محاولاتنا للملمة بعض المعلومات البيئية من الجهات المعنية التي وجدناها تردد ما سمعناه منها قبل عشر سنوات، دون أي جديد، وخاصة البيئي منه. أما المجتمع الأهلي بجمعياته البيئية فوجدناه، مع اندثار مكوناته ومنظوماته، ينازع باحثاً عن الدعم المطلوب لتنفيذ خطته الإنقاذية للبيئة، والتي لم تخرج من دائرة الوقاية والتثقيف والتوعية غير الفاعلة على صعيد المجتمع، والتي نراها أشبة بلعبة “الطرة والنقش” الوقائية.