مجلة البعث الأسبوعية

عيد الشكر.. الجانب الآخر من القصة مؤسف بكل المعايير!!  

في الخميس الرابع من شهر تشرين الثاني، كل عام، يحتفل الأمريكيون بعيد الشكر في إجازة تستمر 4 أيام، تجتمع فيها العائلات والأصدقاء حول مائدة، عمادها الديك الرومي المشوي، الذي يتم توزيعه مجاناً على العائلات ذات الدخل المحدود.

تتضمن الوليمة ديكاً أو حتى ديكين، حسب عدد الضيوف، يتم حشوه وشيّه بالفرن لمدة ساعات، كما يتم تقديم الذرة والبطاطا المهروسة التي هي من الخضراوات التي كان يزرعها الأمريكيون الأصليون إلى جانب صلصة التوت البري الحلوة وغيرها من خيرات ما كان يُعرف بـ “الأرض الجديدة”.

كما تلقن المدارس تلاميذها في المرحلة الابتدائية أن هذا التقليد يعود إلى هجرة “الحجاج” أو المهاجرين الأوائل، وهم المعارضون الدينيون الإنجليز الذين ساعدوا في إنشاء مستعمرة بليموث في ماساتشوستس الحالية، عام 1621.

يعود الاحتفال الرسمي بعيد الشكر إلى عام 1863، عندما حدد الرئيس إبراهام لينكولن يوم 26 تشرين الثاني موعداً للمناسبة القومية، وكان تحديد هذا الموعد يتم بقرار رئاسي كل عام إلى أن تم تثبيته كعيد قومي في عهد الرئيس فرانكلين روزفلت عام 1942.

مع مرور القرون واختلاف العادات، تحول عيد الشكر إلى مناسبة تجارية أكثر منها دينية أو تاريخية، بأن أضيف إليه يوم “الخميس الأحمر” و”الجمعة السوداء”، ولاحقاً “الإثنين السيبيري”، حين تُقدم المتاجر عروضات وتخفيضات كبيرة جداً على شتى أنواع المنتجات.

ولكن بعيداً عن التطور التجاري للإجازة السنوية التي ينتظرها الأمريكيون بفارغ الصبر، فإن التاريخ الذي أدى إلى الاحتفال بهذا اليوم كعيد قومي أمريكي حافل بالصراعات أكثر من الشكر والتقدير، بعدما راح ضحية “الأرض الجديدة” آلاف مؤلَّفة من السكان الأصليين والمستعمرين الجدد في القرن السابع عشر.

 

ما هو تاريخ عيد الشكر؟

وفق الرواية التاريخية، انطلق الأمريكيون الأصليون الودودون لتعليم المستعمرين القادمين جديداً كيفية البقاء على قيد الحياة في العالم الجديد بشتائه القارس وظروف حياته المختلفة عما اعتادوه في أوروبا، ثم اجتمع الطرفان للاحتفال بوليمة كبيرة، في عام 1621، شهدت خيرات ومنتجات الأرض الجديدة.

كان من بين الحضور 90 رجلاً على الأقل من قبيلة وامبانواغ، و50، أو نحو ذلك، من ركاب سفينة ماي فلاور التي أقلَّت “الحجاج” أو المهاجرين الأوائل.

استمرت الوليمة 3 أيام، وتضمنت قائمة الطعام لحم الغزال والطيور بأشكالها والذرة والبطاطا الحلوة وغيرها من المنتجات الموسمية.

لكن السلام الذي تلا الوليمة في مستعمرة بليموث لم يدم طويلاً، بل إن القصة الحقيقية وراء هذه العطلة السنوية قاتمة للغاية، حتى إن بعض الأمريكيين يطالبون بإعادة التفكير في كيفية الاحتفال بالعطلة، أو ما إذا كان ينبغي لهم الاحتفال أصلاً!

 

خلاف على الاحتفال الأول

يختلف المؤرخون الأمريكيون حول تاريخ أول احتفال بعيد الشكر، وإن كانت رواية احتفال الحجاج في مستعمر بليموث هي الأكثر شيوعاً، حين قرر المستوطنون في فيرجينيا الاحتفال بوصولهم بعيد الشكر سنوياً في عام 1619.

وبينما ينحصر عيد الشكر حالياً بتجمُّع العائلات حول مائدة يتوسطها ديك رومي شهي ليمضوا معاً عطلة نهاية أسبوع طويلة، كان هذا العيد في القرون الماضية مناسبة للاحتفال الديني أكثر من كونه وليمة.

ويحدد آخرون أن عام 1637 هو الأصل الحقيقي لعيد الشكر؛ نظراً إلى حقيقة أن حاكم مستعمرة ماساتشوستس، جون وينثروب، أعلن يوماً للاحتفال بالجنود الاستعماريين الذين ذبحوا مئات من رجال ونساء وأطفال قبيلة بيكوت، فيما يُعرف الآن بمدينة صوفي بولاية كونيتيكت!

 

سلام ينتهي دموياً

أثبت ماساويت ساشيم، أو الزعيم الأعلى من قبيلة وامبانواغ، أنه كان حليفاً حاسماً للمستوطنين الإنجليز في السنوات التي تلت إنشاء بليموث. إذ أقام اتفاقية تجارية حصرية مع الوافدين الجدد وتحالف معهم ضد الفرنسيين والقبائل المحلية الأخرى، لكن هذا التحالف سرعان ما بدأ ينهار.

فقد تدفق آلاف المستعمرين الإنجليز على المنطقة طوال القرن السابع عشر، وبدأت سلطات بليموث تعزز سيطرتها على معظم جوانب حياة قبيلة وامبانواغ الحليفة، وشرعت في اقتطاع مزيد من الأراضي. ومع مرور الوقت توترت العلاقات ودخلت مرحلة اللاعودة. وبعدها، اندلعت الحرب بقيادة ميتاكوميت، المعروف باسم “الملك فيليب”، عندما جرى إعدام العديد من رجال قبيلته بتهمة قتل مترجم وشخص تحول للمسيحية.

رد محاربو وامبانواغ بسلسلة من الغارات، وأعلن اتحاد مستعمرات نيو إنغلاند الحرب التي اتسعت رقعتها لتشمل المستعمرات المجاورة والقبائل التي هبت للنجدة.

 

نهاية مريرة

تطورت الاشتباكات إلى أن شهدت تهجير القبائل من قراها وتدمير مؤنها الشتوية.

بعد ذلك قطع المستعمرون الإنجليز رأس ابن الرجل الذي أقام واحتفل مع مستعمرة بليموث بعيد الشكر، ثم قُتل من تبقى من حلفائه أو بيعوا كعبيد، وعلق رأس “الملك فيليب” على شوكة وعرض في بليموث لمدة 25 عاماً.

وكانت هذه الحرب أحد الفصول الدامية التي سيخوضها المستعمرون ضد السكان الأصليين، والتي غالباً ما يتم التغاضي عن ذكرها في مستعمرات نيو إنغلاند ونيويورك وفيرجينيا الساحلية، بينما يتم التركيز على تعزيز صورة الحصاد المشترك لخيرات الأرض الجديدة والاحتفال معاً على مائدة.

 

عيد الاستيلاء لا الشكر

وحالياً، يطالب مؤرخون بإعادة التفكير بطريقة الاحتفال بعيد الشكر، مقترحين أن يسمى “عيد الاستيلاء” أو “ذكرى مجزرة ماساتشوستس”. بل إن جمعية “الهنود الأمريكيون المتحدون في نيو إنغلاند” تعتبر هذا اليوم حداداً منذ عام 1970، حيث يجتمع الأمريكيون الأصليون في بليموث، وتقام الصلوات والخطب مصحوبة بقرع الطبول قبل أن يسير المشاركون عبر المنطقة التاريخية.

قد يتمحور عيد الشكر حول فكرة التجمع والوجود، لكن الجانب الآخر من القصة الحقيقية مؤسف بكل المعايير.

 

سر الديك الرومي

في حين أن الديك الرومي هو اليوم الطائر المفضل لعشاء عيد الشكر في جميع أنحاء الولايات المتحدة، لم يكن هذا هو الحال دائماً، فقد قتل الأمريكيون الأصليون 5 غزلان كهدية للمستعمرين في أول عيد شكر، في عام 1621، ما يعني أن لحم الغزال كان على الأرجح اللحم الأكثر شعبية.

 

العفو الرئاسي عن الديك

بدأ هذا التقليد بعدما طلب ابن الرئيس أبراهام لينكولن (تاد) من أبيه أن يعفو عن الديك الرومي الذي تم إحضاره ليتم طهيه في عيد الميلاد. استجاب لينكولن لرغبة ابنه، وتحولت من بعدها هذه العادة إلى تقليد رئاسي.

وبينما يعفو الرئيس الأمريكي عن ديك واحد، تشهد معظم المنازل الأمريكية موائد عشاء حول الديوك التي لم تكن محظوظة كديك البيت الأبيض!