الزراعة “الفيسبوكية”!
النشاط “الفيسبوكي” الواضح لوزارة الزراعة يشير إلى وجود حراك وظيفي متميز، ونية للعمل واستثمار كافة الموارد والإمكانيات وتسخيرها لخدمة الواقع الزراعي، ولكن من البوابة الافتراضية، وهنا لا يمكن إلقاء المسؤولية على أشخاص، بل على منظومة عمل متكاملة تراكمت فيها الأخطاء لسنوات طويلة، ولابد هنا من التأكيد على أن النشاط الوزاري الزراعي الحالي بريء من أية مسؤولية كونه يعمل في هذه الظروف بالحد الممكن، أو كما قيل في وزارات أخرى “بالحد الحرج”.
ما يدعو للأسف حالة الإمعان في استثمار القطاع الزراعي المتخم بالوعود الإعلامية الزراعية ليكون بوابة للدخول إلى ميدان الإنجاز، حيث نسمع خطابات تجول وتصول في ميادين الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي وغيرها من المصطلحات، وبدلاً من رسم خارطة طريق لمستقبل الزراعة، وبذر بذور التفاؤل فيها عبر تأمين كافة مستلزمات العملية الزراعية بأيسر الطرق، وإيجاد منافذ تسويقية وتصنيعية للمحاصيل الزراعية، نجد أن التعقيدات تحاصر العمل الزراعي وتعيق خطواته، مع التأكيد على عدم تجاهل تداعيات الأزمة، وخاصة الحصار الاقتصادي الذي يشكّل قاسماً مشتركاً بين تحديات جميع القطاعات، ولن ننسى أيضاً تلك الجهود الحكومية الهادفة إلى دعم الفلاح بشتى الطرق، وهذا ما يحظى بتقدير كبير من الفلاحين الذين يثمّنون هذا الحرص الحكومي على استمرار الإنتاج الزراعي.
وبالعودة إلى الواقع الزراعي، لابد من التأكيد على أن التجربة السورية لا نستطيع إنكار وجودها كحلقة هامة وأساسية من حلقات الصمود الوطني الاقتصادي، كما تحتوي أيضاً على حقائق أخرى مؤلمة لا يمكن تجاهلها كحقيقة هدر إمكانياتها الزراعية، وفقدان الكثير من المحاصيل الاستراتيجية، ما حفر أثلاماً موجعة بخسائرها للنشاط الزراعي، كما حدث ويحدث في بعض المحاصيل كمحصول الحمضيات وغيره من المحاصيل التي توضح من جهة مدى الغبن الذي يلحق بالفلاح الذي يتعب ويشقى ليقطف في نهاية الموسم الخسارة وضياع الآمال والأحلام، ومن جهة أخرى الخسارة الاقتصادية الناتجة عن هذه النتيجة، ففي موسم الحمضيات يترك الإنتاج على الأشجار لعدم مردوديته المادية على الفلاح الذي يحمد الله على نجاة محصوله من أمراض الطبيعة وكوارثها، فيجد نفسه في دوامة انخفاض الأسعار التي تأكل تعبه وجهده وماله دون سابق إنذار، فهل نحن بلد زراعي يولي الزراعة حقها في خارطة النشاط الاقتصادي، أم أننا مجرد بذارين في حقول الوهم؟.
طبعاً الموضوعية في الطرح وتشخيص الواقع تتطلب “كما قلنا سابقاً” عدم إنكار أن الأزمة الحالية تركت بعض الآثار السلبية على القطاع الزراعي نتيجة الظروف الأمنية التي تعاني منها بعض المحافظات، والتي أدت إلى منع المزارعين من التواجد في حقولهم لمتابعة عمليات الخدمة والسقاية للمساحات المروية، واستمرار النقص في المحروقات اللازمة لعمل الآلات الزراعية، ومتابعة عمليات خدمة المحاصيل، ما يؤثر سلباً على تنفيذ الخطة الإنتاجية، إضافة إلى ارتفاع أسعار شراء المستلزمات الزراعية، وانخفاض عدد العمالة الزراعية في بعض المحافظات، وإصرار التجار على التعامل نقداً عند بيع مستلزمات الإنتاج، ما شكّل عبئاً إضافياً على المزارعين، إلا أن كل تلك التحديات لم تستطع تحييد فلاحنا عن زراعة أرضه، أو تغيير مسار حياته الزراعية قيد أنملة، فهل تمسك الجهات الزراعية بلجام العمل الزراعي بكفاءة وجدارة، وتتوجّه نحو الإنتاج المضاعف والمتطور، أم يستمر عمل السكة الزراعية في الأرض الافتراضية التي تدور في حلقات النوايا والخطط الورقية التي لا تختلف في إنتاجيتها عن العمل في الأراضي الصحراوية التي لن تنبت فيها غير الأشواك وخيبات الأمل؟.
بشير فرزان