اليمن وحصار القرون الوسطى
علاء العطار
إن إدارة ترامب على وشك تصنيف المقاومين الحوثيين في اليمن ضمن قائمتها الرسميّة للمنظمات الإرهابية بهدف قطع إمداداتهم من الأموال والموارد. حذّر رئيس برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إلى جانب خبراء كثيرين، من أن هذا التصنيف سيطيل الحرب المروّعة التي أودت بحياة أكثر من ربع مليون شخص، وسيخلق حاجزاً لا يمكن اختراقه يمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب اليمني.
وتقدّر الأمم المتحدة بتحفظ أن نحو 233 ألف يمني قُتلوا في الحرب التي شنّها التحالف السعودي المدعوم من الولايات المتحدة، معظمهم قضوا نحبهم نتيجة ما يُسمّى “أعراض لا مباشرة”. من بين هذه الأعراض المرض والتجويع الناتجان عمّا يسميه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس “أسوأ مجاعة شهدها العالم منذ عقود”.
عندما يسمع الناس كلمة “مجاعة” يفكّرون عادة في الجوع الجماعي الناجم عن الجفاف أو الظواهر الطبيعيّة الأخرى، ولكن في الواقع، تحدث وفيات الجوع التي نشهدها في اليمن (نسبة كبيرة منهم أطفال دون سن الخامسة) نتيجة شيء غير طبيعي هو الموت جوعاً بسبب الحصار الذي يشبه حصار القرون الوسطى، وهو نتيجة اعتراض التحالف السعودي كل المساعدات الإنسانية، واستهدافه المتعمّد للمزارع وقوارب الصيد والأسواق ومواقع تخزين المواد الغذائية ومراكز علاج الكوليرا بضربات جوية تهدف إلى جعل الأجزاء التي يسيطر عليها الجيش اليمني واللجان الشعبية في اليمن ضعيفة وبائسة بغية إنهاكهم.
بمعنى آخر، تساعد الولايات المتحدة في قتل الأطفال وغيرهم من المدنيين عمداً على نطاق واسع في سبيل تحقيق هدف سياسي، الأمر الذي سيكون بالطبع مثالاً ممتازاً لأي تعريف موحّد للإرهاب.
الأمريكيون هم الإرهابيون الحقيقيون، والسعودية والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا وفرنسا وكلّ الدول الأخرى التي مهّدت لارتكاب الفظائع الجماعية المروّعة في اليمن. هذا التحالف القوي الممتد حول العالم هو منظمة إرهابية لم يشهد العالم لها مثيلاً من قبل، ما يعني أن تصنيف الإمبراطورية الأمريكية المتوحشة والمتعطّشة للدماء للحوثيين بالإرهابيين هو نكتة غير مضحكة على الإطلاق!.
الأمريكيون هم الإرهابيون، فإن أردنا أن ننطق بالحق، لا يمكننا تحييد الأمريكيين المدنيين عن الذنب، فهم متواطئون في هذه المذبحة. وإن الفظائع في اليمن بلا شك هي أسوأ شيء يحدث في العالم الآن، ومع ذلك فهي بالكاد تشكّل ومضة في الوعي الاجتماعي الأمريكي، فالغالبية العظمى من الأمريكيين شاهدوا صوراً ومقاطع فيديو لأطفال يمنيين يعانون أقصى درجات الجوع، ولم يطرأ في عقولهم إلا ما يشبه قول: “يا للهول، إنها مجاعة، يا له من أمر محزن للغاية”، ثم عادوا إلى التفكير في الرياضة أو أي هراء آخر يستحوذ على معظم اهتماماتهم.
الأمريكيون هم الإرهابيون. نعم، فلو كانت وسائل الإعلام الأمريكية تقوم بعملها المزعوم، لكانت اليمن في صدارة اهتمام الأمريكيين والعالم، لكنها متواطئة أيضاً. ما زال الأمريكيون يعيشون في مجتمع منسوج من نسيج المذابح والوحشية دون أن ينهضوا لفرض التغيير، إنهم نيام لا يدركون أنهم مضطجعون على فراش منسوج من الأطفال المذبوحين، وعدم إدراكهم مما صُنع الفراش لا يعني أبداً أنهم غير مستلقين عليه.
إنهم الإرهابيون، لكنهم غير مضطرين لأن يكونوا كذلك، فما عليهم إلا أن يستيقظوا، ويوقظوا أصدقاءهم وجيرانهم، وينشروا الإحساس بما يجري، ويرفعوا مستوى الوعي بالأهوال التي ترتكبها حكوماتهم في اليمن وفي الدول الأخرى باسم الهيمنة الإمبريالية، وأن يساعدوا بعضهم بعضاً في الرؤية من خلال حجاب الدعاية الإمبريالية كم روحاً تزهق وكمّ الموارد التي تنفقها حكوماتهم على ارتكاب أعمال إرهابية لا توصف بدل إفادة البشرية.
بإمكان الحكومة الأمريكية أن تضع حداً للفظائع في اليمن على الفور إذا أرادت ذلك حقاً، فمتى أوقفت الولايات المتحدة دعمها السياسي والعسكري، سينسحب السعوديون وتنتهي الحرب في غضون أيام. وليكفّر الأمريكيون عن بعض ذنبهم، عليهم كسر حاجز الصمت عن اليمن، والضغط على بايدن للوفاء بتعهد حملته بإنهاء الحرب التي بدأت في عهد إدارة أوباما، عليهم أن يقفوا في وجه الإمبريالية الأمريكية، ويجب أن تضعف ثقتهم في وسائل الإعلام التي ترفض تقديم صورة واضحة لهم عما يحدث في العالم، ويجب أن يفهموا أن إدراكهم للواقع يشوّهه الأقوياء على الدوام.