كورونا في الرواية العربية.. معالجات متسرعة وتناص ارتجالي
الرواية هي انعكاس للواقع، تواكب مستجداته وتتفاعل معها عبر إعادة تكوين معالمها وتأثيراتها وفق وجهات نظر وأفكار متباينة المشارب، فقد وثّقت للحوادث والحروب الكبرى والجوائح الوبائية المدمّرة في مراحل متعدّدة من تاريخ التقدم الإنساني. وبعد تأثيرها الكبير على علاقات التواصل الاجتماعي ودورها الواضح في المتغيّرات المستجدة على سلوكيات البشر وطريقة عيشهم، بدأت جائحة فيروس كوفيد 19 تأخذ طريقها نحو السرد الروائي العربي كواقع فرض نفسه على مجريات حياتنا، وقد سارع عدد من الكتّاب العرب لاحتلال موقع الصدارة في تقديم نصوص عن الراهن الجديد، نصوص يتّسم معظمها بالعجالة وعدم النضج في الشكل والمضمون، على الرغم من محاولات كتّابها مجاراة تيار الوعي الذي عرف في روايات أواخر القرن الماضي، والذي يركز على الوضع النفسي للشخصيات، وتداخل الأحداث، ضمن تسلسل غير منضبط.
ويمكن أن نتوقف هنا عند عدد من النصوص منها “حب في زمن الكورونا” للكاتبة اللبنانية ستيفاني عويني التي تبدأ بعنوان يتناص مع عنوان رواية ماركيز الشهير “حب في زمن الكوليرا”، تناصٌ يفقد عنوان الرواية فرادته وتميّزه، وبالتالي عنصر الدهشة الذي تحمله عتبة الرواية الأولى.
تتحدث صاحبة “ليلة جامحة” الصادرة 2019، بأسلوب يحاكي قصص أفلام “الأكشن” عن نشوء جماعة متطرفة ترمي إلى قتل المصابين بالكورونا كحلّ وحيد للخلاص بعد فشل الطب وعجزه عن اجتراح الحلول والعلاج الناجع، ولهذا تقرّر حكومات الدول إقامة مراكز سرية للاستشفاء لا تصل إليها يد عصابة “المطهرون”.
حالة الهلع والخوف التي يحدثها كورونا تدفع الأثرياء للانعزال ضمن بيوت تحت الأرض وبين التلال في مكان افتراضي تدعوه الكاتبة “ساوث داكوتا” ومدينة تحت الأرض تسميها “وثنشتاين” في ألمانيا.
تسعى ستيفاني للوقوف على المتغيّرات النفسية والاجتماعية التي اجتاحت العالم بسبب الوباء الذي حوّل الإنسان إلى كائن متوحش منفصل عن إنسانيته، ينشد البقاء والنجاة على حساب الآخرين، لكن رغم كل ذلك يبقى الحب سيد الأزمات وقاهر المحن، الذي يولد من رحم الأحزان والخطوب، حب تحمله الشخصية المحورية كرمز لانتصار الخير.
لا تخفي الروائية من خلال نصها المتخيّل محاولتها استباق مجريات الأحداث والتنبؤ بمآلها، دون أن يحالفها الحظ في محاكاة منطقية تقارب الواقع.
الكاتب الأردني مصطفى قرنة يفرد الحيّز الأكبر من نصه الصادر حديثاً بعنوان “هاربون من كورونا” لرصد الهلع الذي أصاب العالم بسبب اجتياح الوباء الجديد عبر بناء عوالم متخيّلة تتعدّد فيها الأمكنة وتتداخل الأزمنة، يقود أحداثها بأسلوب سينمائي مشوّق شخصية أردنية تعمل في تجارة الحيوانات البرية، العمل الذي يفرض عليه التعامل مع شخصيات من جنسيات مختلفة، الأمر الذي يتيح للقارئ الاطلاع على عادات وثقافات شعوب مختلفة مرّت بتجارب تعرضت خلالها إلى أوبئة عديدة واجهتها بأساليب مختلفة، منها ما ينتقل للإنسان عن طريق الحيوانات كما هو الوضع المفترض للكورونا، ليدخل الكاتب ضمن متاهات ومحاكمات متباينة حول مسبّبات الوباء الجديد وسبل مواجهته.
الكاتبة المصرية أماني التونسي تخوض التجربة في نص “ليالي الكورونا”، وترى في الحب أملاً في التغلّب على الوباء وتجاوز المرحلة، وتدور حكايتها حول عوائل عدة تسكن عمارة وسط القاهرة، تتناص إلى حدّ ما مع “عمارة يعقوبيان” للروائي علاء الأسواني.
في العمارة هناك فاطمة وحافظ، زوجان ستينيان يقطنان الطابق الأرضي، يعيشان بمفردهما بعد سفر أولادهما. وفي الطابق الأول هناك سليم وياسمين مطلّقان يعيد كورونا الألفة إليهما بعد أن كان سليم يزور أولاده مرة كل أسبوع، وفي الثاني عائلة مجدي الرجل الخمسيني يمنعه الحظر الذي طبق بسبب الوباء من العودة إلى عمله في الكويت، لتبدأ الخلافات بينه وبين زوجته عبلة تطفو على السطح بسبب صعوبة تأمين مستلزمات حياة أولاده الأربعة، وفي الرابع نجد ممدوح وزوجته مريم، يجبر واقع الحظر ممدوح على البقاء في المنزل والاصطدام بحالة زوجته النفسية التي تعاني وسواساً قهرياً يتعلق بالنظافة والترتيب، فتحوِّل المنزل إلى ما يشبه المستشفى، وتبدأ رحلة الخلافات تشقّ طريقها نحو حياتهما.
ربما النص الأكثر نضجاً وتماسكاً ومحاكاة للواقع، هو رواية الأردنية أمل عبده الزعبي “عذرا كوفيد 19 عائدون بلا روح”، والذي تعالج فيه أثر الجائحة على المجتمع، عبر نسق روائي مسبوك بلغة روائية عالية المستوى، وأسلوب سردي واضح المعالم، يتجاوز سطحية الثرثرة الفائضة عن القص إلى المضمون الحامل للمقولات الفكرية والوجدانية الجادة، نتعرف فيه على حكاية عائلة أردنية تهاجر إلى أمريكا بقصد العمل، الأب مروان طبيب في مستشفى، والأم سوزان مخبرية في المكان ذاته، يصاب الزوج بفيروس كورونا فتتبدّل حياتهم من راحة واستقرار إلى اضطراب وقلق، لتغوص الكاتبة في تفاصيل الحالة النفسية لأفراد الأسرة، ولاسيما الزوجة التي تجد نفسها وحيدة في مواجهة واقع مؤلم، بعد وفاة زوجها، وغربتها عن وطنها، فتبدأ فكرة العودة تلحّ عليها بإصرار، لكن الإجراءات الاحترازية التي طبقتها معظم دول العالم ومنها توقف المطارات، زادت وضعها صعوبة وتعقيداً، لكنها تنجح في السفر إلى العراق ومنه براً إلى بلادها مع أولادها الثلاثة.
تلك نماذج لروايات أزمة كورونا تتّسم في معظمها بالبساطة والبناء على نصوص سابقة تناولت انتشار الأوبئة وانعكاسها على السيكولوجيا البشرية وفق معالجات متسرعة لا تخلو من الحذلقة الأدبية في جوانب عدة لا مجال للخوض فيها هنا.
آصف إبراهيم