علاء الدين كوكش..وداعاً
إن كان من مخرج درامي سوري، تعرفه أجيال كثيرة سواء من الجمهور المحلي أو العربي، بعد حياة حافلة بالعمل الإبداعي إن كان على مستوى الكتابة أو الإخراج، فهو بلا منازع شيخ الدراما السورية “علاء الدين كوكش”، الرجل الذي صارع الموت مراراً، لكنه وعلى عادة الأبطال التراجيديين، مات، تاركاً تاريخاً حافلاً من العمل الفني الراقي والمحترم، يُخبر عنه لأجيال عديدة قادمة، ستجد لا ريب في تلك الأعمال حس الفرادة الذي كان يشتغل تحت وطأته، ليقدم للجمهور الذي أحب صنيعه في المجال الأكثر رحابة –الدراما التلفزيونية- أرقى المسلسلات وأهمها في مسيرته الفنية الغنية، بعد أن قدم على خشبة المسرح السوري وهو يحيا أفضل أوقاته كفن، العديد من أهم الأعمال المسرحية، كان منها “الفيل يا ملك الزمن-1969/ حفلة سمر من أجل 5 حزيران-1970-” وأيضاً “لا تسامحونا” والطريق إلى مأرب” وتصديه لإخراج هذه الأعمال المسرحية والتي تكون هي المختبر الحقيقي للمخرج، طور لديه تقنية التعاطي مع الممثل، فالمخرج الحقيقي هو المخرج الذي يشتغل على الأداء، والذي هو جوهر فن التمثيل، وهذا ما حققه كوكش في العديد من أعماله، التي كان اختيار طواقمها من الممثلين بالإضافة إلى أدائهم لشخصياتهم، منضبطاً وبحزم لديه، فشيخ المخرجين السوريين، يعلم تماماً ما هي طبيعة فن الإخراج وتحويل الورق إلى عمل مرئي مرموق في مضمونه وشكله، وهو يدرك جيداً أهمية الأداء في العمل، لذا كان كما هو معروف عنه، لا يقبل أن تفرض عليه العلاقات الشخصية وغيرها من أمراض الوسط الدرامي، من ينتقي لأداء هذا الدور أو لا، خصوصاً وأنه يعرف القدرات التمثيلية للكثير من ممثلينا الذين اشتغلوا معه، مع حرصه التام على عملية “الكاستينغ” التي كان يُشرف عليها شخصياً، الأمر الذي أعطى لأعماله مصداقيتها بين الجمهور وبين جماعة الوسط الفني الذين حملوا محبته حتى الحين الذي ولج فيه عتمة خياله.
لم تكن الحياة الخاصة بالنسبة للمخرج الذي تخرج من مدرسته الفنية كبار نجوم التمثيل والإخراج لدينا، بالمعروفة للشأن العمل، وذلك لرفضه أن تكون الحياة الخاصة معرضاً مفتوحاً، -كم من فنانينا اليوم كذلك؟ -إلا أن حياته العملية شغلت الكثير من الأقلام النقدية وأثارت شهية الكُتّاب لتأليف مسلسل يحوز رضا شيخ الكار، ويطمح بأن يُخرجه، وكم من كُتّاب مسلسلات لدينا لمعت أسماؤهم بعد أن أخرج أعمالهم مخرج بحجم الراحل إلى النور.
قام المخرج الراحل بتأليف العديد من القصص والمسرحيات التي نُشرت في أهم الجرائد التي تُعنى بالأدب ومنها: “الناقد/ سطور/كتابات معاصرة” وقام بتأليف ثلاثة أفلام تلفزيونية، الأمر الذي كان له أثره الجيد في عمله الإخراجي، ما يجعل من تجربة هذا المبدع السوري الفنية مكتملة، فلقد بدأ من الدرجة الأولى في السلم، وارتقاه بثبات وعزم لا يلين، حتى صار من أهم المخرجين السوريين وأكثرهم غزارة في نتاجه الفني.
أما محبة الناس ومعزتهم لشخصه وفنه، فقد فاضت بها مواقع التواصل الاجتماعي حال نعاه الكاتب “أسامة كوكش” -شقيق الفقيد- على صفحته الشخصية، سواء من أهل الوسط الفني أو من الجمهور، وماذا يريد المبدع الحقيقي فعلاً؟ هذه المحبة تضيء له طريقه الذي يمضي به الآن حيث هو.
الراحل في سطور:
ولد الراحل في العاصمة السورية دمشق عام 1942، درس في قسم الدراسات الاجتماعية والفلسفية بجامعة دمشق مطلع الستينيات، وبدأ حياته الفنية عندما التحق بالتلفزيون السوري ثم أوفد إلى ألمانيا ليأخذ دورة في الإخراج التلفزيوني عام 1966، لتكون أول أعماله كمخرج “من أرشيف أبو رشدي” عام 1967، ثم مسلسل “وجهاً لوجه” بالعام التالي والذي قام بتأليفه وإخراجه، لتتوالى بعدها أعماله ما بين السينما والتلفزيون والمسرح.
من أبرز أعماله “حارة القصر” عام 1970 و”أسعد الوراق” عام 1975 و”رأس غليص” عام 1976 و”وضاح اليمن” عام 1980 و”تجارب عائلية” عام 1981 و”أبو كامل” عام 1991 و”حي المزار” عام 1999 و”البيوت أسرار” عام 2002 و”ربيع بلا زهور” عام 2003 و”أهل الراية” عام 2008 و”رجال العز” عام 2011، أما آخر أعماله فكان مسلسل “القربان” عام 2014.
تمّام علي بركات