بايدن سيلجأ لعسكرة السياسة وإعادة بناء النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط
البعث الأسبوعية” ــ سمر سامي السمارة
دخل جو بايدن البيت الأبيض بناء على وعوده التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية بـ “إعادة تحديد السياسة الخارجية للولايات المتحدة”. وبسبب جغرافيته السياسية والاقتصادية، شكّل الشرق الأوسط، ولا يزال، أحد المجالات المهمة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
في ظل إدارة ترامب، خرجت الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، وفرضت عقوبات على إيران، حتى أنها شاركت في صراع عسكري محدود، وأعدت خطة سلام للشرق الأوسط انتهت بتطبيع العلاقات بين “إسرائيل” والإمارات والبحرين والسودان، وحافظت على علاقتها القوية مع السعودية، إذ واصلت إدارة ترامب دعمها السعودية من خلال سيناريو دولي صعب، تطور بعد مقتل جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في تركيا. وأعقب ذلك أيضاً انسحاب جزئي للولايات المتحدة من سورية وتحويل مركز قيادة قواتها العسكرية في الشرق الأوسط من قطر إلى ساوث كارولينا، ما يشير إلى تقليص محتمل لقوام قواتها العسكرية. وهي العملية التي كان مرجحاً استمراريتها في حال فوز ترامب في الانتخابات.
ومع ذلك، تعهد جو بايدن أثناء حملته الانتخابية، مراراً، بتغيير مسار الأمور، إلاّ أن هذا التغيير لا يعني تحولاً جذرياً في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، أي أنه لن ينطوي على التطبيع المطلق مع إيران والابتعاد عن إسرائيل، إذ ستقوم إدارة بايدن فقط ببعض التعديلات الحاسمة التي ستبقي الولايات المتحدة مشاركة في وضع الشراكة، وفي وقت يقول الرئيس المنتخب إنه سيعود للانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، نراه يدعم عملية التطبيع الجارية في الشرق الأوسط، ما يعني أن إسرائيل ستظل محور السياسات الأمريكية في المنطقة؛ وبينما تعهد بايدن في وقت سابق بإعلان السعودية دولة “منبوذة”، فإن العلاقات بين واشنطن والرياض قديمة جداً بحيث لا يمكن السماح لمثل هذا المشروع بالمرور. وعلى العكس من ذلك، ونظراً لأن السعودية الآن على استعداد، بالفعل، للتطبيع مع “إسرائيل”، فإن إدارة بايدن ستتعرض لضغوط شديدة للحفاظ على علاقات “ودية” مع السعودية وعدم السماح بتقويض العملية من خلال سياسة “صارمة” تجاهها.
وهنا لابد من التذكير أنه، وعلى الرغم من خطاب بايدن الانتخابي، فإن إدارة أوباما – بايدن هي من باعت أسلحة للسعودية تزيد قيمتها على 100 مليار دولار، كما دعمت حرب السعودية على اليمن من خلال التأييد الدبلوماسي والمساعدات العسكرية. ما يعني أن بايدن ليس ضد حكام السعودية كما يزعم، وهو لم يبد أدنى اهتمام بقتل السعودية لآلاف اليمنيين، ومن غير المرجح أن يترجم غضبه الواضح من مقتل صحفي إلى تحول جذري في السياسة. ومع ذلك، فإن تغيير طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية لن يكون على خلفية ما تقوم به السعودية، بل على خلفية استبدال السعودية بالإمارات.
إن السياسة الأمريكية في ظل إدارة بايدن ستكون أكثر انسجاماً مع إدارة أوباما، وأكثر عسكرة، وستولي تركيزاً أكبر لتعزيز قوة الولايات المتحدة، وكل ذلك يصب في سياق تحقيق هدف أساسي هو إعادة بناء النفوذ الأمريكي.
الوزراء المرشحون
وتتضح بوادر السياسة الجديدة من خلال مرشحي الوزارات الذين اختارهم بايدن ليشغلوا مناصب في وزارتي الدفاع والخارجية.
وعلى سبيل المثال، تناصر ميشيل فلورنوي – التي يعتبرها المسؤولون والسياسيون الأمريكيون الخيار الأفضل لوزارة الدفاع الأمريكية – بشدة استخدام القوة العسكرية لضمان المصالح الأمريكية، كما أنها تؤكد على أهمية إعادة بناء النفوذ الأمريكي في المنطقة والعالم.
وبصفتها مساعدة وزير الدفاع للشؤون الإستراتيجية في حقبة الرئيس كلينتون، كانت فلورنوي المعد الرئيسي لتقرير مراجعة الدفاع الرباعية، في أيار 1997، الذي وضع الأساس الإيديولوجي لحروب لا نهاية لها. وبموجب “إستراتيجية الدفاع” التي أعلنها أعلن تقرير الرباعية فإن الولايات المتحدة لن تكون ملزمة بعد الآن بميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر التهديد باستعمال القوة العسكرية، أو استعمالها، وأنه “عندما تكون المصالح الحيوية الأهمية على المحك.. يتعين علينا فعل كل ما يلزم للدفاع عنها، بما في ذلك- عند الضرورة – الاستخدام الأحادي الجانب للقوة العسكرية”. كما شاركت فلورنوي بإعداد تقرير بعنوان “توسيع القوة الأمريكية” يدعو بشكل قاطع إلى تعزيز قوة الولايات المتحدة.
“أفضل طريقة لضمان استمرارية نظام دولي قائم على القواعد ومناسب لمصالح الولايات المتحدة هي عدم التراجع، أو خفض المعايير الأمريكية، أو رفع مستوى تحمل المخاطر. والمسار الصحيح يكون بتعزيز القوة والزعامة الأمريكية في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط الكبير، وفي المناطق التي تمثل تهديداً كبيراً للنظام الدولي، وحيث تكون هناك حاجة ماسة إلى اعتماد نهج جديد، أو تطبيق نهج قديم على نحو أكثر اتساقاً”. ويدعو التقرير إلى تطبيق “صارم” لخطة العمل الشاملة المشتركة، و”بذل جهود أقوى لمواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء المنطقة”.
ومن الأعضاء المرشحين لاستلام منصب وزيرة الخارجية سوزان رايس، السفيرة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة، ومستشارة الأمن القومي في إدارة أوباما، والتي كانت من أشد المؤيدين للغزو الأمريكي للعراق، وكانت تعتقد أن نظام صدام يمتلك أسلحة دمار شامل؛ وهي، مثل ميشيل فلورنوي، من أشد المؤيدين لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية.
ومع امكانية أن يجد مؤيدو النشر الفعلي للقوة العسكرية الأمريكية لتحقيق مصالح السياسة الخارجية الأمريكية مكاناً في حكومة بايدن، أصبح ممكناً بشكل أكبر أن تعزز الولايات المتحدة تمركزها العسكري في الشرق الأوسط بشكل عام، وفي سورية والعراق بشكل خاص.
ومن الواضح أن النفط لا يزال يمثل جانباً هاماً في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ومع تكريس إدارة ترامب الفعلية للقوة العسكرية لـ “تأمين” النفط السوري، من المرجح أن تحذو إدارة بايدن حذوها، ويضاف إلى ذلك حقيقة أن سوزان رايس معادية لروسيا بشكل خاص، وسوف ترى في تعزيز القوة العسكرية الأمريكية في سورية وسيلة لإحباط خطط روسيا لتوحيد سورية.
وبالتالي، ستكون سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في ظل إدارة بايدن موجهة أكثر نحو إعادة بناء النفوذ الأمريكي؛ والسبيل الوحيد للقيام بذلك هو من خلال التعزيز العسكري، لذا فإن وجود سوزان وفلورنوي في الإدارة سيسهل ذلك إلى حد كبير.