مجلة البعث الأسبوعية

بريطانيا والولايات المتحدة.. صداقة غير حميمة!!

“البعث الأسبوعية” ــ ترجمة وإعداد: علاء العطار

إن دورة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نظر البريطانيين كما أشار أليكس ماسي مؤخراً في صحيفة “سبيكتيتور” اليمينية مثيرة للقلق بشأن “خصوصية العلاقة المميزة” بطريقة يعدونها “مرهقة وصبيانية وعلى مستوى معين من التحقير”. وهذه المناورة عبارة عن أربع سنوات صعبة تبدأ في كل مرة برقصة المكالمة الهاتفية الأولى.

ولاحظت قناة بي بي سي أن الرئيس المنتخب اتصل برئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في 10 تشرين الثاني “قبل زعماء الدول الأوروبية الكبرى الأخرى”، ووفقاً للقراءة التي قدمها مكتب الرئيس الأمريكي السابق، أعرب جو بايدن عن “رغبته في تقوية العلاقات الخاصة ومضاعفة التعاون في القضايا ذات الاهتمام المشترك”. ولا شك أن استخدام بايدن لهذا الكلام الساحر في مكالمتهما الهاتفية، وفي البيان الصحفي الذي أعقبها، جعل البريطانيين يتنفسون الصعداء.

كان فوز بايدن هو النتيجة التي يفضلها غالبية الجمهور البريطاني، إذ إن 76٪ من البريطانيين كانوا سيصوتون له لو أتيحت لهم الفرصة للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، في حين أن 24٪ فقط كانوا سيصوتون لصالح دونالد ترامب. وسواء كانت رئاسة بايدن ستغير العلاقة الخاصة بين البلدين أم لن تغيرها، لا يزال الجمهور البريطاني مرتاباً، فقد أظهر استطلاع أجرته شركة “يوغوف” في 9 تشرين الثاني أن 29٪ من البريطانيين يعتقدون أن المملكة المتحدة ستحظى بعلاقة أقوى مع الولايات المتحدة في ظل بايدن، ويعتقد 27٪ أنها ستكون أضعف، ويظن 27٪ أن الأمور ستبقى دون تغيير إلى حد كبير.

أولئك الذين يتبنون وجهة نظر الأقلية المؤيدة لترامب قد يجادلون – كما فعل الكاتب المحافظ دوغلاس موراي في مقاله في صحيفة “ديلي ميل”، الذي طغى الغضب والتوتر = أن “جو بايدن وحزبه ليسا صديقين لهذا البلد” وأن بريطانيا سوف “تأسف على يوم” مغادرة ترامب البيت الأبيض. يجادل موراي بأن ترامب كان “صديقاً عظيماً للمملكة المتحدة”، وكان متحمساً لصفقة التجارة الأنجلو أمريكية، التي يُنظر إليها على أنها تتويج لمشروع البريكسيت. في الوقت نفسه، “يبغض بايدن وحلفاؤه بريطانيا ما بعد البريكسيت”، إذ ألمح موراي إلى أن الرئيس الأمريكي من أصول إيرلندية يتعاطف مع الجيش الجمهوري الإيرلندي على عكس أقرب حليف للولايات المتحدة.

بغض النظر عن فكرة اعتبار بايدن متعاطفاً مع الجيش الجمهوري الإيرلندي، كان ترامب كرئيس حليفاً لبريطانيا بالطريقة التي تدعم جميع أهدافه ومصالحه، فكان دعمه شكلاً دون مضمون. ويبدو أن صورته كمؤيد لبريطانيا تستند كلياً إلى حقيقة أن والدته ولدت في اسكتلندا، وأنه يمتلك ملاعب غولف هناك، ما أثار استياء الحكومة الاسكتلندية وأولئك الذين اضطروا للعيش بالقرب من تلك الملاعب. تحدث ترامب بفخر عن البريكسيت، ولطالما قارن نتيجة الاستفتاء المفاجئة في عام 2016 بفوزه الانتخابي، ولكن بالطبع لم يعد هناك اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث ورد أن الحكومة البريطانية فقدت الأمل في التوصل إلى اتفاق مع إدارة ترامب قبل الانتخابات في تموز الماضي، دون ذكر مكالمات ترامب الهاتفية “المهينة والمتنمرة” مع رئيس الوزراء السابقة تيريزا ماي، أو ترويجه لخصمها الانتخابي نايجل فاراج ليكون سفيراً بريطانياً محتملاً في الولايات المتحدة.

كما لاحظ زعيم المعارضة في بريطانيا كير ستارمر إن إدارة بايدن “تقدم فرصة لإعادة ضبط العلاقة الخاصة “والتصدي للتحديات الجديدة التي يواجهها العالم اليوم”. وخلال محادثتهما الهاتفية، أخبر بايدن جونسون أنه يتطلع إلى العمل معه عن كثب حيثما واجهت الدولتان عدداً من التحديات: الصحة العالمية والانتعاش الاقتصادي المستدام بعد كوفيد 19 وتغير المناخ واستقرار غرب البلقان وأوكرانيا. أياً كانت الاختلافات في الرأي، بما في ذلك كيفية اختيار كلا الطرفين لتفسير اتفاقية الجمعة العظيمة التي تحكم السلام في أيرلندا الشمالية، سيستفيد جونسون سياسياً ودبلوماسياً من أي شيء يمكن أن توفره إدارة بايدن ولم تستطع إدارة ترامب توفيره، كالاستقرار والأمانة والنزاهة.

تسهل السخرية من هوس بريطانيا العصابي بالعلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة، لكن الحقيقة تقول إن العلاقات الأنغلو أمريكية كانت حجر الزاوية في الاستراتيجيات الدبلوماسية والأمنية لكلا البلدين منذ الحرب العالمية الثانية، عندما احتلت الولايات المتحدة المكانة العالمية التي تركها البريطانيون المنسحبون شاغرة. نجت هذه العلاقات الشخصية بين القادة التي اتسمت بالدفئ تارة وبالبرود تارة، ففي حين كان مفيداً أن يشارك رونالد ريغان نظرة مارغريت تاتشر الأيديولوجية ويستمتع بركوب الخيل مع الملكة، لم يكن لغياب باراك أوباما عن المشاركة في المناسبات البريطانية أهمية عندما يتعلق الأمر بأسس العلاقة خلال فترة حكمه.

وهكذا، فإن مخاوف اليمين بشأن ولاء بايدن، أو مخاوف اليسار حول ما إذا كان تواصل جونسون مع الديمقراطيين سوف يفسد في ظل بايدن لا أساس لها من الصحة، وصحيح أن إبرام اتفاق تجاري بين بريطانيا والولايات المتحدة قبل عام 2024 يعتمد على التمسك بمبادئ “اتفاقية الجمعة العظيمة”، التي يلتزم بها قادة الولايات المتحدة في الكونغرس والبيت الأبيض الآن، لكن النتيجة تتوقف على مفاوضات بريطانيا الحالية مع الاتحاد الأوروبي، إن لم يكن أكثر من ذلك. وتستمر أشكال أخرى من التعاون الحيوي مثل تبادل المعلومات الاستخبارية داخل تحالف “العيون الخمس” بغض النظر عن التغييرات في الموظفين في البيت الأبيض أو في داونينغ ستريت.

لا تزال حالة العلاقة الأنغلو أمريكية في صحة جيدة، ونتيجة الانتخابات الرئاسية لن تتغير بطريقة أو بأخرى. في الواقع، وإن كان لتصويتٍ أن يغير مسار العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ولو بشكل طفيف، فلن يكون الانتخابات الرئاسية لعام 2020، بل استفتاء البريكسيت عام 2016. وبالعودة إلى رقصة المكالمات الهاتفية، في نفس اليوم الذي تحدث فيه بايدن إلى جونسون، اتصل الرئيس المنتخب أيضاً بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وبرئيس الوزراء الأيرلندي ميكال مارتن. وقال بايدن لماكرون وميركل إنه يتطلع إلى إحياء وتنشيط “العلاقة عبر الأطلسي من خلال الناتو والاتحاد الأوروبي”. وقال بايدن للمستشارة الألمانية إنه “يرحب بفرصة التعاون على أجندة مشتركة مع الاتحاد الأوروبي”.

كان يُنظر إلى بريطانيا ذات مرة على أنها الرسول الإنكليزي الذي يسد الفجوة بين واشنطن وبروكسل. والآن، بعد البريكسيت، لم يعد بإمكانها العمل مع أمريكا لتشكيل السياسة الأوروبية. هذا ما قد يجعل العلاقة الأنغلو أمريكية مختلفة قليلاً، فعلى الرغم من أنها لا تزال حليفاً ثابتاً ومميزاً للولايات المتحدة، أصبحت بريطانيا ما بعد البريكسيت أقل فائدة للولايات المتحدة في الساحة الأوروبية.