في المدينة الجامعية.. مواجهة متكررة بين حلم السكن والواقع الخدمي!
حملت أحلامها الدراسية وكل آمالها إلى غرفتها الجديدة في المدينة الجامعية التي كانت تراها من خلف السور الحديدي وهي طفلة، وتتمنى أن تصبح من قاطنيها، فكانت تتخيل الغرف، وترسم في مخيلتها صوراً عن حياة المدينة وغرفها، واليوم مع تحقق حلم بتول “الطالبة الجامعية”، ودخولها إلى مدينة أحلامها، بدأت مرحلة العودة إلى أرض الواقع لينكسر ذلك الحلم بمجرد استلامها لغرفتها، حيث تتالى تساقط الصور الجميلة أمام واقع الغرفة وأثاثها المهترىء، ولا شك أن بتول لا تعلم أن هذا حال المدينة الجامعية في دمشق منذ سنين مضت دون أي تجديد أو تغيير، فلماذا هذا التقصير؟ ومن المسؤول؟.
تغيير الوجوه
تعاقب الإدارات على السكن الجامعي لم يغير أو يبدل من حال الغرف، لتغدو مشاكل الطلاب القاطنين مكررة ومتكررة، وكأن الجهر بها أو كتمانها عند المعنيين سيّان، حيث تحدث من التقتهم” البعث” في شوارع وساحة المدينة الجامعية بأن مشاكلهم قديمة وتتمحور حول انعدام التدفئة بالدرجة الأولى، وانقطاع المياه، وما يترتب على ذلك من منغصات في فترة كورونا تحديداً، وعلى حد قولهم الماء الساخن يأتي مرة أو مرتين نهاية الأسبوع ليكون يوم حمام جماعي تغلبه المشاحنات والمشاكل بين الزملاء خوفاً من انقطاع المياه، وهي مشكلة قائمة منذ “الأزل”، إلى جانب ذلك تحدث الطلاب عن قدم الأثاث واهتراء الأسقف التي تكاد في بعض الغرف تسقط على قاطنيها، إضافة لصعوبة تأمين الأغطية و”الاسفنج” المخصص للنوم في بداية كل عام، ما يضطرهم لطرق باب المدير ليحلها بنفسه، كما تطرق بعض من التقيناهم لمشكلة الكهرباء التي كانت تنقطع لساعات طوال دون الأخذ بعين الاعتبار فترة الامتحانات، ناهيكم عن قلة النظافة، وتجمع القمامة في المطابخ والحمامات، وهنا أغفل هؤلاء الطلاب مسؤولياتهم في المحافظة على النظافة، والتزامهم بإلقاء القمامة في الحاويات، وعدم ترك الموضوع على كاهل عمال وعاملات النظافة داخل الوحدات السكنية.
إهمال جماعي
من المؤكد أن الإدارات المتعاقبة، وحتى رئاسة الجامعة، مسؤولة عن سوء الوضع في السكن، خاصة إذا علمنا أن كل عائدات الاستثمارات داخل المدينة، وما أكثرها، من مقاصف ومطاعم ومحال تجارية عائدة لخزينة الجامعة عبر دائرة المقاصف والمطاعم فيها، وهي معنية بكل العقود، حيث توجد لجنة عليا معنية بهذا الشأن يترأسها نائب مدير الجامعة للشؤون الإدارية، إضافة لعائدات رسوم التسجيل وغيرها، ما يعني بنهاية المطاف أن هناك مبالغ كبيرة يستطيع المسؤولون، وهم على دراية، تغيير حال المدينة الجامعية إلى الأفضل، والسؤال هنا: أين هي تلك العائدات؟ ولماذا حتى الآن لم تعد بالفائدة على “حيطان” الوحدات التي تكاد تنهار من شدة قدمها؟ سؤال مشروع في ظل الوضع المتآكل للسكن، في المقلب الآخر يتحمّل القاطنون مسؤولية النظافة العامة، والحفاظ على محتويات الغرفة وعدم تخريبها، خاصة مع تغريم الطلاب الساكنين بكل شيء معطل، وبالتالي فإن مسؤولية الحفاظ على مقبض الباب ومآخذ الكهرباء يجب أن تأخذ منحى آخر، إلى جانب لحظ قواعد النظافة، والانطلاق من الذات، وعدم “مجاكرة” الآخر، والتي لمسناها للأسف عند الكثيرين ممن تحدثنا معهم.
بدوره مدير المدينة الجامعية مضر العجي أشار إلى تقصير كل الأطراف سواء من جهة الطالب أو المسؤول، فمن جهة الطالب لا يجد مستوى الغرفة لائقاً، أو كما تصوره في خياله، لذلك يفقد اهتمامه بها، ومن ناحية أخرى الآليات التي تقوم عليها المدينة الجامعية، بحسب العجي، قد تكون غير لائقة، لكن هذا لا يمنع الطالب من الانضباط والالتزام بالمنظومة المتواجدة، ويضيف: حجم الحالة العملية والخدمية في المدينة الجامعية يحتاج لقوى بشرية وآليات عمل مرعبة، والطاقة الاستيعابية للمدينة تختلف عن الطاقة التصميمية، إذ يفترض أن يكون العدد في السكن الجامعي ما بين الـ 14 ألفاً إلى 14500 طالب، وعلى سبيل المثال ووفق البرنامج الزمني السابق كان يأتينا بين الـ 600 والـ 650 طالباً تحضيرياً، اليوم بلغ عدد القاطنين 950 طالباً تحضيرياً، الأمر الذي سبب ضغطاً في السكن، في وقت بلغ عدد المستجدين 3640 طالباً، و480 طالب دراسات عليا “طب”، أما باقي الدراسات العليا بالكليات الأخرى فقد وصل العدد إلى 850، وبعد سؤالنا عن الوساطات “ودلال” بعض القاطنين والقاطنات، نفى مدير المدينة وجود المحسوبيات في السكن، داعماً حجته بقاعدة البيانات الموجودة على حاسوبه، وقوله: “ألغيت كل ما يسمى الغرف الإدارية”.
ضغوطات
وعن فترة كورونا، وكيفية التعامل مع هذا الفيروس من ناحية تغير وقت الامتحانات، قال مدير المدينة: هذا العام لم تحصل فترة انقطاع بسبب انزياح التقويم الجامعي، والطلاب القاطنون استمروا بالسكن، في 20/9 انتهت الامتحانات، وفي 27/9 بدأ العام الدراسي، في وقت كانت فيه المدينة الجامعية بالأحوال العادية خلال فترة الصيف المتمثّلة بالشهر السابع والثامن والامتحانات على اختلافها قد انتهت، سواء الدراسات العليا أو المفتوح، والدورة التكميلية للطلاب، ونتائج مفاضلة التعليم العالي والموازي تكون قد صدرت، كما نكون قد انتهينا في الفترة المذكورة من فرز التحضيري، هذا العام اختلف الوضع وزاد العدد في الغرفة الواحدة ما بين التحضيري والخريج والمستجدين والقاطنين إلى جانب الراغبين بتقديم الامتحانات الوطنية، ومع ذلك كان الرهان على استيعاب الطلاب لبعضهم البعض، وعن تأمين الخبز والمازوت أشار العجي إلى وجود فرن في المدينة الجامعية يؤمن المادة للطلاب، وقال: نحاول الحفاظ على حصة الطالب من مادة الخبز، حيث تم منع المعتمدين من قبل المؤسسة العامة للمخابز البالغ عددهم 42 معتمداً من دخول المدينة الجامعية، وكانوا يحصلون على ما يقارب 7000 ربطة خبز، في حين لا يمكن حصر حاجة المدينة من المادة التي تتراوح في أقل تقدير بين الـ 5000 والـ 6000 ربطة، وهو رقم نسبي، لأن الطالب في السكن يعيش على الخبز فقط، وهنا نحاول مسك العصا في المنتصف ما بين حاجة الطالب والواقع الموجود في البلد، وفيما يتعلق بالمازوت والمياه الساخنة ومشاكل الطالب اليومية، يرى العجي أن كل القطاعات تحتمل التأخير بمادة المازوت إلا المدينة الجامعية، والتدفئة مرتبطة بمادة المازوت، أما الماء الساخن فإن معظم الوحدات تمتلك الطاقة الشمسية باستثناء الوحدات التي يطلق على نموذجها اسم قاسيون، وهي الوحدة الأولى و12، 13، 14، 15 لأنها تواجه صعوبة بإنشاء طاقة شمسية على أسطحها، مشيراً في هذا الصدد إلى التعاون مع الشركة العامة للإنشاءات المعدنية التي توقفت عن العمل في الوحدات المذكورة لصعوبة نماذجها، مؤكداً على صعوبة عملية تشغيل المياه الساخنة “الكيفية” التي يشاع لها في المدينة الجامعية على أنها تتم على مزاج مشرف الوحدة ومعرفته بأحد الطلاب داخل الغرف، منوّهاً بأنها تتم وفق برنامج محدد في يومي الخميس والجمعة بشكل مستمر، وأي ضخ إضافي خارج البرنامج يظهر من خلال صرف المازوت، أما استثمارات المدينة الجامعية فهي تعود لرئاسة الجامعة المعنية بكل العقود، ودور إدارة المدينة تقديم التسهيلات اللازمة والإشراف فقط.
خطة مستقبلية
وتابع مدير المدينة: بعد ورود عدة شكاوى عن حال الوحدة الأولى، حاولت إدارة المدينة إخراجها عن الخدمة لإعادة إصلاحها، ولكن مع احتضانها ما بين الـ 1000 والـ 1500 طالب اكتفت الإدارة بترميم الحمامات فقط عازية ذلك إلى الضغط الذي ستتحمّله باقي الوحدات في حال زج قاطني الوحدة الأولى معهم، أما عن المستقبل فقد كشف العجي عما يدور في الكواليس من نقاشات لدراسة هيكلية السكن الجامعي، حيث قال: وضعنا خطة طوارئ لمعالجة المشاكل الحالية، وتمت الموافقة عليها من قبل رئاسة الجامعة، وصرف كافة المستحقات اللازمة لتنفيذها، وخطة مستقبلية لحاجة الـ 25 وحدة سكنية مازالت طور النقاش لإعادة دراستها هندسياً بالتعاون مع كلية الهندسة المدنية والمعمارية، وفقاً للحالة المعمارية والمدنية، ووضع خطة زمنية مرتبطة بالحالة الاقتصادية، ورغم أخذ الموافقة الشفهية من رئاسة الجامعة، لم توضع تلك الطروحات على الورق حتى الآن بانتظار التنفيذ الموعود.
انتماء
حتى تتحقق حالة الانتماء ما بين الطالب وغرفته في السكن الجامعي لابد من وجود المحفزات لذلك، لسنين والمدينة الجامعية على موعد مع التطوير والترميم، وأعوام عدة ينتظر طلاب التعليم المفتوح وحدة سكنية تحتضنهم وهم القادمون من عدة محافظات لا يحملون معهم سوى أحلامهم، فلماذا حتى الآن لا يشعر قاطنو السكن الجامعي وهم “عكاز” المجتمع بانتمائهم للمدينة؟ ولماذا لم تخط رئاسة الجامعة، رغم وفرة المال، نحو ما يرتقي بمستوى العلم عبر تحسين السكن، “طالب يتحدث إلى نفسه وهو ينظر لسقف غرفته المهترىء”!.
نجوى عيدة