مجبول على التلميع
لا نكون مغالين إذا قلنا إن فكرة من قبيل نشر الغسيل نظيفاً كان أو وسخاً تحت الشمس تعطي فرصة ذهبية لتعقيم القطاعات، وتنقية غبار الإدارات، والتخلص من عفونة الأضابير المدفونة، بما لا يخدم هذا الفاسد، ولا يشجع القادم الجديد لمزيد من التطاول والطمأنينة، ومن ثم ممارسة سلوكيات طاغية من اختلاسات، وإساءة ائتمان، واستغلال المواقع لمزيد من المكاسب التي طالما أدرجت تحت عبارة فضيلة قوامها “هذا من فضل ربي” عندما فتحت الدولة في يوم من الأيام النار على المسؤولين بسلاح “من أين لك هذا”؟!.
قد نكون حالمين حين ننتظر ذاك اليوم الذي يخرج علينا هذا الوزير أو ذاك المدير ليفصح عن عثرات وأخطاء وانتكاسات سجلتها المرحلة الماضية، سنوية كانت أو نصفية أو ربعية، فثقافة استعراض الإنجازات والنجاحات تبقى العنوان العريض لأداء الإدارات والجهات، والتي تشارك وسائل الإعلام بتسويقها والتزمير لها، لتصبح العلاقة التشاركية هنا تطبيلية بحتة قوامها ترديد صدى الخطاب اللامع والفاقع لأحجام العمل ومستويات الإنتاج الخالية تماماً من أي نواقص أو خلل أو عيوب كما يدعون.!
نعرف أن طروحات من قبيل الإعلان عن الخلل والإخفاقات وأوجه التقصير والفساد تعد ضرباً من الخيال والجنون عند تركيبة حكومية ومؤسساتية جبلت على التلميع فقط لا غير، ولكن أين العيب والجريمة في انتهاج موقف الفضيلة في الاعتراف والشفافية والصدق فيما يعرض على الرأي العام على الأقل على مستوى القطاع العام الذي يملكه هو وليس هذا المسؤول وغيره، فمن حق المجتمع أن يعرف مآل المال العام، ومصير المشاريع والخطط والبرامج والاستثمارات، وأين ذهبت الأرباح والوفورات والرساميل الموظفة في أقنية الحقول الاقتصادية والخدمية والإنتاجية؟!.
نعتقد أن الضمير الجمعي سيكون مرتاحاً في حال كانت المكاشفة والمصارحة والمواجهة بالحقائق، والأهم المحاسبة بالقانون سياسة وتطبيقاً تتبناه الأجهزة الحكومية بحثاً عن واقع مختلف، وبيئة أكثر تحفيزاً على العمل والإنجاز في ظل أولوية التخلص من عقد السلبيات ومنغصات الملفات المدفونة والمخبأة، ليكون البديل لغة الشائعات والأقاويل والتسريبات التي قد تثبت أو تنفى إعلامياً ورقابياً وقضائياً، وهنا للفساد دوره في الاستغلال والابتزاز والمتاجرة بهذه القضية أو ذاك الملف، حيث تتراكم وتتعقد حلقات الأمراض الوظيفية والمؤسساتية، وتتعطل آليات العمل النظيف والسليم الذي يوصل إلى الإصلاح والتغيير المنشود؟.
قد يكون الطرح وردياً، والفكرة طوباوية، ولكن، أين المشكلة في خيار كهذا يغربل وينقي ويصفي ويخلص وينظف العمل الحكومي العام ولو جزئياً؟!.
علي بلال قاسم