مجلة البعث الأسبوعية

أقـل مـا يـقـال .. خيارنا بدعم التصدير

“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي

في الوقت الذي تشكل فيه الصادرات في أي دولة الرافعة الأساسية لميزانها التجاري ومعياراً جوهرياً على قوة اقتصادها الوطني ومؤشراً على قوة إنتاجها، نجد أنه في سورية لا تزال الغلبة للاستيراد رغم محاولات الحكومة تفعيل النشاط التصديري من خلال تأسيس “هيئة دعم تنمية الإنتاج المحلي والصادرات”، والتي لا تزال تسير بخطى مثقلة برواسب اقتصاد ميزانه التجاري خاسر..!.

ولأن كل دولة جادة بتقوية اقتصادها تعمل جاهدة على توطين هذا الركن الاقتصادي لديها وتطويره، كونه يجعلها في مصاف الاقتصادات الكبرى في العالم، فإن توطين هذا الركن في بلادنا يحتاج لخطوات وآليات ترفع سوية منتجاته لتصبح مقصداً تجارياً عالمياً، لاسيما أن بعضها له خصوصية محلية جاذبة لكثير من الأسواق العالمية، مثل المنتجات الزراعية الخام منها والمصنع، وكذلك الحلويات وبعض الصناعات التقليدية كالقمر الدين والكونسروة التي غزت بعض ماركاتها السورية الأسواق العربية والأوروبية، وأحيانا الأمريكية، فمن شأن هذه المنتجات – فيما لو حازت على الترويج المطلوب – أن ترفع قيمة صادراتنا مبدئياً وتطويرها لمستوى موازاتها مع المستوردات لاحقاً على أقل تقدير.

نعتقد أن ثمة اعتبارات يفترض أن تدفع الحكومة السورية باتجاه تعزيز التصدير، تتعلق بالدرجة الأولى بتحرير التجارة ونشوء تكتلات اقتصادية، سواء على الصعيد الإقليمي أم العالمي، وما تنذر به هذه التكتلات من مستقبل سوداوي لا يخلو من التبعية والهشاشة لأي اقتصاد لا ينجح بترجيح كفة تصديره على استيراده، من خلال دعم ما لديه من صناعات – خاصة التقليدية بالنسبة للدول النامية – وتوطين أخرى جديدة ذات جدوى وقيمة مضافة وقادرة على المنافسة من جهة السعر والجودة.

في خضم هذا الحديث، تبرز لدينا حيثية القدرة التنافسية ودورها المهم في دعم الصادرات – إن لم يكن الأهم – ما يعني أنها الخطوة الأولى لزيادة ربحية ميزاننا التجاري، عملاً بالمثل الشعبي “الجيد يفرض نفسه”. وفي البحث عن أسباب تدني مستوى تنافسية المنتجات السورية وانعكاس ذلك على عدم احتلالها الحيز المطلوب في الأسواق العالمية، نجد أن المنتج السوري غير قادر على الخروج من حدوده إلا نادراً بسبب غياب الدعم المنظور وغير المنظور، كالذي تتلقاه – على سبيل المثال – المنتجات التركية والمصرية والخليجية، سواء من ناحية انخفاض أسعار الطاقة أم من ناحية النقل والشحن والإعلان، إضافة إلى أن النظام الضريبي والنظام الجمركي والفساد الإداري يعرقل المستثمر السوري ويجعله أقل قدرة على المنافسة.

إذا ما استبعدنا الحصار والعقوبات.. فربما أكبر أزمة تواجه الاقتصاد السوري هي ضعف الإنتاجية، وضعف الإدارة، وعدم دعم الدولة للمنشآت الاستثمارية؛ وهذا يحتم علينا دراسة هذه الأمور دراسة وافية وإجراء تغييرات جذرية على كثير من المسائل الاقتصادية والتحرك أكثر وبسرعة أكبر لحماية منتجاتنا، لاسيما أن سورية انتقلت قبل الأزمة من مرحلة الاقتصاد المركزي الموجه إلى مرحلة اقتصاد السوق الاجتماعي، وظهور تحديات جديدة لم تكن مألوفة، بعضها مرتبط بالبيئة الاقتصادية والسياسات الاقتصادية في البلاد، والبعض الآخر مرتبط بطبيعة التنافسية في العالم، بدليل أن قطاع الغزل والنسيج – وهو القطاع القائد تاريخياً في سورية – يشهد تراجعاً واضحاً لجهة المنافسة؛ فبعد أن كان الأتراك والدول العربية يستوردون منتجات هذا القطاع، أصبح رواده غير قادرين على منافسة الإنتاج التركي، بسبب ضعف الإدارة في القطاع العام أولاً قبل القطاع الخاص، كون قطاع الغزل والنسيج قطاعاً عاماً بالدرجة الأولى..!.

نخلص بعد هذا العرض إلى نتيجة مفادها ضرورة تطوير قطاعاتنا الاقتصادية الإنتاجية والتصديرية، لأن التصدير لا يمكن أن يقوى إلا إذا كان إنتاجنا تنافسياً وقوياً، ونحن متفائلون أن يلمس قطاعنا الخاص هذه المسألة ولو ببطء، كون اقتصادنا هو اقتصاد نام، لكننا يجب أن نبحث عن المزايا النسبية التي نتمتع وننافس بها، لا أن نبحث عن كيفية منافسة الآخرين بمنتجاتهم ونحن بالأساس غير قادرين على المنافسة بها، مثل الصناعات الثقيلة وصناعة الأدوات المنزلية ذات التقنية العالية، وتكنولوجيا المعلومات، وغير ذلك من الصناعات التي تحتاج إلى خبرة ومعرفة طويلة، في حين يمكننا المنافسة بالمنتجات والصناعات التحويلية التقليدية: النسيجية – الغذائية – القطنيات – الصناعات الحرفية.. إلخ.