علاء الدين كوكش شيخ المخرجين التلفزيونيين.. بدأ مخرجاً وأصبح ممثلاً بالصدفة وانتهى روائياً!!
“البعث الأسبوعية” ــ أمينة عباس
خسر منزله خلال سنوات الحرب، فكانت وجهته “دار السعادة” التي أصبحت ملاذاً للكثير من المبدعين الذين كانوا يعانون آلام الوحدة. وعلى الرغم من مكوثه لسنوات فيها، إلا أنه ظل يردد دائماً أنه بانتظار العودة إلى بيته، فرحل ولم يتحقق الحلم.. مكتبته التي كانت تضم نحو 25 ألف كتاب، والتي عمل على تأسيسها منذ أكثر من خمسين عاماً، واقتنى كتبها من سورية ومختلف بلدان الوطن العربي، قدمها قبل رحيله هدية لمكتبة وزارة التربية ليستفيد منها الجميع بدلاً من أن تظلّ حبيسة الأدراج والرفوف؛ ومشاركته كضيف شرف في مسلسل “شارع شيكاغو” – إخراج محمد عبد العزيز – كانت إطلالته الأخيرة على المشاهدين كممثل.. كمخرج، أوكلت إليه الكاتبة ديانا جبور – حين كانت مديرة المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني – إخراج مسلسل “القربان” ليكون العمل الأخير الذي أنجزه، عام 2014.
عصر الكبار
ينتمي علاء الدين كوكش إلى عصر الكبار الذين أسسوا الدراما السورية بالحب، والشغف، والسعي لتقديم أعمال تشبه أرواحهم، وتوازي عشقهم لهذه المهنة.
بدأت قصّته مع الإخراج عام 1960، حين عيّن في التلفزيون في شعبة البرامج، حيث عمل مساعداً للمخرجَين جميل ولاية وسليم قطايا. وفي العام 1966، أوفد إلى ألمانيا في دورة تدريبية لمدة سبعة أشهر، بترشيح من كبير المخرجين في التلفزيون الألماني ليو بولدجين. وما إن عاد من ألمانيا حتى أخرج أعمالاً تلفزيونية، كان أولها “من أرشيف أبو رشدي”، سنة 1967؛ وتلاه العديد من الأعمال التي ظلت في ذاكرة المشاهد السوري، كـ “حارة القصر”، و”أولاد بلدي”، وغيرها، ليتوّج هذه المرحلة، عام 1975، بـ “أسعد الوراق” المأخوذ عن قصة “الله والفقر” لصدقي إسماعيل، والذي ما زال يُعد حتى الآن من روائع الدراما السورية، ليكون مسلسل “رأس غليص”، عام 1975 – سيناريو خالد حمدي – أول مسلسل في الوطن العربي يصوَّر بكامله خارج الأستوديو في صحراء دبي، وهو من أشهر المسلسلات البدوية، وضمّ نجوماً من سورية ومصر والأردن، ولاقى نجاحاً كبيراً في الوطن العربي.. تلاه مسلسل “ساري”، عام 1976، الذي يروي قصة حياة الشاعر البدوي عبد الله الفاضل، المولود في بلاد الشام، حين أصيب بمرض الجدري؛ وكان مسلسله “أبو كامل” محطة هامة أخرى في مسيرته الإخراجية؛ وقد بيَّن الراحل كوكش، في أحد حواراته، أن نجاح هذا العمل حرّض المخرج بسام الملا – الذي كان وقتها يعمل بصفة مساعد مخرج معه – على تقديم “أيام شامية”، ومن ثم الانتقال بمرافقته لـ “باب الحارة”، بجزأيه الأول والثاني؛ وسرعان ما انسحب لأنه لم يكن يستسيغ فكرة الأجزاء بالعموم، وكان قد أخرج الجزء الأول من مسلسل “أهل الراية” عام 2008، ولنجاحه الكبير أتبعه بالجزء الثاني؛ وعندما أرادت شركة الإنتاج استثمار هذا النجاح، في جزء ثالث له، انسحب كوكش لعدم قناعته بضرورته، خاصة وأنه أنهى كل الخيوط الدرامية في الجزء الثاني. وبعد غياب ليس بقصير، عاد مخرجاً من خلال مسلسل “القربان”، وهو عمل اجتماعي معاصر يتناول الوضع الاجتماعي في المجتمع السوري، عام 2010، ليكون آخر أعماله الإخراجية.
ممثل بالصدفة
بعد عمله في المسرح والسينما والتلفزيون مدة أربعين عاماً، اختاره المخرج الإيراني سيف الله داد، عام 1995، للمشاركة في فيلم “المتبقي”، عن رواية “عائد إلى حيفا” للأديب الفلسطيني غسان كنفاني، وذلك بعد أن رأى صورته مع أحد الممثلين. وحين عُرض الفيلم في مهرجان دمشق السينمائي التاسع، نال شهادة تقدير من المهرجان عن دوره فيه، ثم عمل ممثلاً مع المخرج حاتم علي في مسلسل “صلاح الدين”، وكذلك مع المخرجة هند ميداني في مسلسل “البحث عن المستحيل”، ومع المخرج وائل رمضان في “كليوباترا”؛ وكانت إطلالته الأخيرة ضيف شرف في مسلسل “شارع شيكاغو”. وعلى الرغم من هذه المشاركات، إلا أن كوكش كان يؤكد دائماً أنه ليس ممثلاً محترفاً، لكنه كان يفرح حين يجد أن الناس قد أحبوه في دورٍ ما.
السقوط
للمخرج الراحل علاء الدين كوكش تجربة طويلة وعتيقة ومتميزة في المسرح السوري في مرحلته الذهبية، حيث أخرج أربعة أعمال مسرحية، هي: “الفيل يا ملك الزمان” – تأليف سعد الله ونوس – عام 1969؛ و”حفلة من أجل 5 حزيران” – من تأليف سعد الله ونوس أيضاً – عام 1970، وهذه المسرحية حققت رقماً قياسياً في عدد عروضها، إذ قدّمت 47 عرضاً في دمشق وحدها، إضافةً إلى عروض في بعض المحافظات السوريّة، وكذلك في لبنان، وقد كتب عنها آنذاك المصريون الذين ذهلوا بتطور وتقدم المسرح السوري؛ وفي العام 1972، كتب وأخرج “لا تسامحونا” بالتعاون مع المخرج العراقي فيصل الياسري؛ وحين سافر إلى اليمن، عام 1976، كي يشارك بتأسيس التلفزيون اليمني، أخرج مسرحية “الطريق إلى مأرب” للكاتب اليمني محمد الشرقي. وبعد غياب طويل عن خشبة المسرح، عاد كوكش إليه كاتباً من خلال مسرحية “السقوط”، التي أعادت الفنان دريد لحام إلى المسرح بعد غياب دام 11 عاماً، وكانت هذه المسرحية، التي قُدمت في بعض الدول العربية، عبارة عن مجموعة لوحات ناقدة من نوع الكوميديا السياسية الساخرة، على مبدأ “مسرح الشوك” الذي قُدم عام 1968، وترصد بأسلوب ساخر الخلافات العربية، موضحاً مواطن الضعف العربية، وأسبابه، وجسد بعض المشاكل التي تعانيها بأسلوب كوميدي، وكانت من إخراج العراقي محسن العلي، وكتابة جماعية شارك فيها الفنانون دريد لحام، والراحل عمر حجو، وعلاء الدين كوكش الذي وإن كان قد ابتعد عن خشبة المسرح، إلا أنه كان على صلة به من خلال كتابة النصوص المسرحية، التي جمعها في كتاب وأصدرها تحت عنوان “مسرحيات ضاحكة””.
الكاتب
في الفترة التي غاب فيها عن الدراما التلفزيونية بسبب شروط الواقع الفني التي لا تشجِّع على العمل، وبعدما أصبح المخرج في المرتبة الثالثة بعد الجهة المنتجة، ونجوم العمل، والتي كان يصفها كوكش بـ “نكسة الدراما السورية”، انسحب علاء الدين كوكش إلى عالم الرواية، فأنجز روايته الأولى “التخوم” عام 2010، وتدور أحداثها في عالم المثقفين. وقد أجمع النقاد على أن “التخوم” أكثر من عمل روائي، فهي رؤيا كاتب مثقف يكتب بعين المراقب، ويدقق في التفاصيل والهوامش، ويذهب بقلمه إلى أحداث الحياة الواقعية، فيكشف سلبياتها وخباياها، بعيداً عن الصور البراقة التي تظهر على السطح، والتي تهدف إلى الحفاظ على الصورة التي يرغب بها المجتمع. ولم تكن الرواية هي التجربة الأولى له في عالم الكتابة، فقد سبقتها مجموعة قصصية بعنوان “إنهم ينتظرون موتك” عام 2006، ومجموعة مسرحيات بعنوان “مسرحيات ضاحكة” عام 2002، وكتاب “السفر بعيداً.. يوميات رحلة إلى تايلاند وماليزيا” عام 2009، وسيناريوهات لثلاثة أفلام تلفزيونية أخرجها، وهي: “لا”، و”لن ترحل”، و”القلب يحكم أحياناً”؛ ولطالما أعلن بأنه سيتوجه بشكل أساسي نحو الكتابة، لأنه يملك زخماً كبيراً من الحكايات والقصص التي سيعمل على إخراجها بشكل أدبي، لإحساسه الكبير بضرورة تقديم ما شاهده وخبره للناس من خلال الكتابة التي تملك سحرها الخاص؛ وكان قبل رحيله قد صرح أنه يعمل على كتابة عمل روائي ثانٍ.
لم يكن متفائلاً
رحل كوكش وكان يؤسفه إبعاد المخرجين المخضرمين عن العمل في الدراما السورية لأن شركات الإنتاج تفضّل المخرجين الشباب، لأسباب منها الأجر، حيث أن أجور الشباب أقل بكثير من أجور المخضرمين، علاوة على أن كثيراً من المخرجين الجدد لا رأي فنياً لهم، وقد أصبح للشركة المنتجة الحق في اختيار الممثلين، وهذا كان – برأيه – خللاً كبيراً في أساس الدراما السورية، التي كان فيها المخرج رب العمل، مبيناً أن بدايات شركات الإنتاج الدرامي في سورية كانت مبشرة، لأنها اتبعت قواعد التلفزيون السوري الذي يُعتبر الأكاديمية الحقيقية للدراما، وقد أُسس بشكل صحيح، ولم يكن يفكر في الربح، لذا كانت أعماله صادقة، إلا أن هذه الشركات بدأت شيئاً فشيئاً تخضع لمطالب السوق والفضائيات ولعوامل أخرى خارجية؛ لذلك كان لديه خوف حقيقي على هوية الدراما بعد أن أصبحت المحطة أولاً، والشركة المنتجة ثانياً، والنجوم ثالثاً؛ وهذه ظاهرة خطيرة حذّر منها بعد أن بدأت تتسع في الدراما السورية، وتشكل خطراً حقيقياً على مستقبلها، بحيث أصبحت أجور النجوم تضغط على ميزانيات الأعمال، إلى درجة أن المنتج بدأ يقص من أجور الصف الأول والثاني لكي يرضي النجم الذي تفرضه المحطة.
وكان كوكش قد عبر عن رأيه بالمشهد الإخراجي السوري في الفترة الأخيرة، حيث لم يكن متفائلاً لأن معظم المخرجين ما زالت تنقصهم الخبرة، وعملية الإخراج – برأيه – “عسيرة وصعبة، وتحتاج إلى جهد وثقافة وتجربة، لذلك تبدو الفروق جوهرية بين الأعمال السورية”، مشيراً إلى تميز المخرج الليث حجو كمخرج يتمتع بثقافة عالية.
ولد علاء الدين كوكش في حي القيمرية عام 1942، وهو خرّيج قسم الدراسات الاجتماعية والفلسفية في جامعة دمشق، في مطلع الستينيات. من أعماله: “سيرة بني هلال”، “وضاح اليمن”، “جابر وجبير”، “تجارب عائلية”، “الذئاب”، “أمانة في أعناقكم”، “حي المزار”، “البيوت أسرار”، “حكايا الليل والنهار”، “رجال العز”.
وفي العام 1964، عيّن رئيساً لدائرة المنوّعات في التلفزيون، وقد اختير عضو لجنة تحكيم مهرجان القاهرة الدولي للإذاعة والتلفزيون لعدة أعوام.
وشارك في تأسيس المسرح الجوال ومهرجان دمشق المسرحي ونقابة الفنانين.