المواطنة والمناهج والتاريخ في ندوة الغزو الثقافي
“يجب أن نمتلك الاستعدادات لمواجهة الغزو الثقافي في التربية والثقافة والمجتمع” بهذه المفردات استهل الإعلامي محمد خالد الخضر ندوة “التربية والثقافة والمواجهة” ضمن سلسلة مواجهة الغزو الثقافي في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة. وقد أثارت الندوة انفعالات الحاضرين فاختلفت الآراء حيناً وتقاطعت حيناً آخر، ووجدوا فرصة للحديث عن تغيير المناهج التي تعد وسيلة هامة من وسائل مواجهة الغزو الثقافي.
تعزيز قيم المواطنة
انطلقت د.لبنى بشارة من مفهوم الثقافة بالمصطلحات الإدارية لتحصين الواقع وبناء المستقبل، واستخدمت مفردة التحصين لأن العلاج يحتاج إلى تشخيص ومعرفة الأسباب مثل العلاج الطبي، نحتاج إلى تحديد نوع الأزمة الثقافية ومن ثم رسم سياسة ثقافية ملائمة، ثم حددت الأزمة الثقافية بخمسة بنود “التطرف- الكبت- الانبهار- الإحباط- الجمود” وتوقفت عند الجمود الذي يعد سداً في وجه التطور، وعادت إلى تحليل أسباب الأزمة الثقافية التي تعود إلى الغزو الفكري والضعف الاقتصادي وضعف دور المرأة، لتصل إلى تحديد أهدافنا الثقافية المجتمعة بتعزيز مفهوم المواطنة وقيمها واختيار الأفضل والتعرّف إلى الثقافات الأخرى وتصدير ثقافتنا للخارج، وتابعت عن التخطيط وتحديد المجالات الثقافية المدنية والعملية والفكرية والأدوات ضمن حلقات تبدأ من الأسرة وتتسلسل إلى المدرسة والجامعة والإعلام والمجتمع والدعاة والمثقفين ودور النشر وحواضن الشباب، متوقفة عندها فهي الأدق والأخطر لأنها تكون في مجالات عدة رياضية أو ثقافية وقد تكون دينية، لذلك الخروج من الأزمة الثقافية ومواجهة الغزو الثقافي يحتاج إلى تكامل مجتمعي.
استمطار الأفكار
وبدأت د.أسمهان جعفر من الهدف وهو بناء الإنسان بإصلاح مؤسسات التنشئة ابتداء من الحلقة الأولى الأسرة التي تعتمد في أغلب الأحيان على آليات تربية خاطئة، فالأهل لا يفهمون لغة الحب ولا يعرفون أبجديتها، فهناك فرق بين الرعاية والحب وتجاهل أسئلة الأطفال التي تمثل مفاتيح العلم تجعلهم يؤمنون بالمسلمات دون تفكير، وتتكامل الصورة في المدرسة من حيث المناهج المحنطة التي تعتمد على الحفظ البصم إضافة إلى الامتحانات التقليدية داعية إلى اتباع أساليب تربوية بالتعليم، وركزت د.جعفر على سياسة الحوار واستمطار الأفكار ولخصت أسباب الأزمة الثقافية بغياب القراءة الواعية، وترى أن الثقافة التي لا تتطابق مع الواقع مصيرها الزوال، والتعامل بعنف مصيره الفشل، ونوّهت إلى أهمية معالجة الخطأ وفق أسباب منطقية وليست مزاجية.
العولمة السلبية
ودعا مدير تربية دمشق سليمان اليونس إلى التمييز بين الغزو الثقافي والتأثير الثقافي في زمن العولمة وانتشار الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، فالطالب الذي تفتح أمامه كل الوسائل المتاحة قد يتفوق بالمعرفة على المدرس المؤطر ضمن استراتيجيات التعليم، ورأى أن إشكالية الغزو الثقافي تعود إلى التأثر الثقافي منذ الاحتلال الفرنسي، متسائلاً هل وضعنا وسائل لمجابهة السيل من المعرفة وهل استطعنا توظيفها بما يتناسب مع مجتمعنا والتربية جزء منه، هل تغيّر الخطاب الديني والإعلام فكيف نطلب من المدرس أن يغيّر جيلاً بأكمله، ومع ذلك بدأنا بتغيير المناهج التي تبعد أفكار الجمود بالتعليم، ولابد من نشر ثقافة المواطنة فكثير من الإرهابيين كانوا يحملون شهادات جامعية، وبعضهم أطباء ومهندسون وفنانون، فالشهادة لم تؤثر في وطنيتهم لأنهم لم يمتلكوا ثقافة المواطنة، وتابع بفكرة التصدي للثقافة غير البريئة أو ما يعرف “بالعولمة السلبية” فالمواطن السوري قد يمتلك الذكاء لكنه لا يميز بين المعرفة السلبية التي تفكك مجتمعه وبين المعرفة الإيجابية، ويرى اليونس أن دور التربية كبير في مواجهة الثقافة القادمة من الماضي ومن الجوار فهذا ضمن الغزو الثقافي الذي نواجهه، وتطوير المناهج وسيلة من وسائل مواجهة الغزو الثقافي، والتطوير يتطلب دعماً ثقافياً مجتمعياً وإعلامياً، ونوّه إلى ضرورة احترام صورة المدرس في الدراما وعدم إتاحة الفرصة لفتح أي منفذ للخطأ التربوي، ليخلص إلى أن التربية جزء من الإعلام، وكل شخص هو إعلام بحد ذاته، مشيراً إلى بعض الأخطاء المتمثلة بثقافة الشتم والهجوم من خلال التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الندوة تقاطعت آراء المشاركين واتفقت على ضرورة نهوض مجتمعي متكامل لمواجهة الغزو الثقافي وتأثيراته على المواطن والمجتمع، يبدأ من الفرد إلى الأسرة وإلى كل مؤسسات التنشئة.
العمل على توافر الأرضية
حفلت الندوة بمداخلات وتساؤلات كثيرة أغلبها ركز على تغيير المناهج، فعقب أحد الحاضرين بأن تغيير المناهج لا يتناسب مع أصول التعليم التقليدي وهناك نسبة من الطلاب من الشريحة الفقيرة لا توجد لديها أرضية مناسبة مثل عدم توافر النت، فلابد من توافر الأرضية قبل التغيير، فعقب سليمان اليونس بأننا يجب أن نبدأ والبداية هي الطريق لتطبيق مناهج تعليمية متطورة وبعيدة عن الأفكار الجامدة، وفي الوقت ذاته العمل على توافر الأرضية. ووجد الحاضرون فرصة للتساؤلات وإبداء الرأي بموضوعات متفرعة وثانوية تطال المناهج مثل اختيار قصائد منتقاة بدقة من تاريخ أدبنا العربي، والتوجه نحو تغيير مناهج اللغة الإنكليزية لما يتوافق مع لغة السوق “التوفل” وإعادة تأهيل الطالب للحياة الاجتماعية بمناهج خاصة متطورة للفنون اليدوية.
غربلة التاريخ
ولم تكن المناهج فقط هي مدار الحوار فالتاريخ شغل الحاضرين فهناك من طالب بالمصالحة مع التاريخ، فاعترضت د. أسمهان جعفر لأن التصالح يعني أن أقبله كما هو نحن بحاجة إلى غربلة التاريخ لاسيما فيما يتعلق بالتراث الديني. كما أثنت المدرسة إيمان موصللي على قرار التربية بمنع الطلاب استخدام المحمول أثناء الدوام المدرسي، واختتم مدير ثقافة دمشق وسيم المبيض بأن نبدأ جميعاً بما يخدم مواجهة الغزو الثقافي.
ملده شويكاني