دراساتسلايد الجريدة

تزييف الوعي.. وتبرير الجرائم الأمريكية

د. رحيم هادي الشمخي

كاتب عراقي

لماذا تخلت العقول العربية عن أفكار التحرر والسيادة الوطنية؟، سؤال مثير، لا جدال في ذلك، ولكن الهدف ليس الاستثارة وجذب الانتباه، بقدر ما هو لفت الأنظار إلى مجموعة من الأفكار المنمقة التي تحاول أن تضع إطاراً نظرياً يبرّر العبث الأمريكي في أرجاء مختلفة من العالم، ولاسيما في منطقتنا العربية، وفي الوقت نفسه غضّ الطرف عن النتائج الكارثية لهذا العبث، وتجاهل مصائبه بل والترويج للتعامل معه على أساس أنه خير أنعمت به واشنطن على شعوب الدنيا وتفضّلت به على العرب، ولك من يروجون لهذه الأفكار يتناسون أن أمريكا أن سبب تأخر المجتمعات العربية أمريكا وحلفاؤها في المنطقة العربية، وأن الصين وفرنسا والسويد وغيرها لم تتقدم بالقواعد العسكرية بل تقدمت بإبداعاتها العلمية والاقتصادية.

ومن هنا لا بد من وقفة مع من يروّجون لجرائم الاحتلال الأمريكي ويصفونها بالنهضة والتقدم والعدالة والرفاهية. في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وربما قبله بقليل ظهرت آراء عربية تؤيد هذا التدخل العسكري والمشين في شؤون الدول العربية وتبرّره، وتضع له النظريات مبشّرة بالفوائد العديدة التي سوف تتحقق من جراء هذه العملية العسكرية الأمريكية، واستخدمت هذه الرؤى –فيما بعد- سنداً لترويج فكرة قبول التدخل الأمريكي السياسي غير العسكري في شؤون الدول العربية، بزعم الرغبة في احتلالها ونقلها إلى مرحلة أخرى أكثر حداثة وعصرية.

مثل هذه الأفكار استمرت تتمتّع ببعض الانتشار في العام الثاني للغزو لكنها تراجعت مع وضوح الرؤية في العراق وانهيار الدولة، وعدم نجاح المحتل الأمريكي في بسط الديمقراطية التي وعد بها الشعب العراقي.

مجلة “تايم” الأمريكية وجدت أن بعض الحكام العرب أيدوا الغزو الأمريكي للعراق، وزعمت المجلة الأمريكية أن هذا الغزو هو أداة ضغط على الدول العربية من أجل الإصلاح، كما يدّعون، أما الكاتب المصري سعد الدين إبراهيم فقد كتب مقالاً في مجلة “المصري اليوم” قارن فيه بين غزو بوش للعراق وغزو نابليون لمصر، وقد رأى أن غزو فرنسا لمصر هو الذي فتح باب الحداثة ووصول محمد علي إلى حكم البلاد. ومن ثم ربط بين ذلك وإحداث نهضة عربية كبرى في العالم والثقافة!!.

يمكن للجهلاء أن يقنعهم هذا الكلام الأحمق، لم يذكر لهم أن نابليون غزا مصر ليس من أجل الحداثة وإنما لكي يحدث توازناً استراتيجياً في مواجهة انكلترا، وأنه لم يحتل مصر لأن هذه المنطقة، كما يزعمون الآن، تصدّر الإرهاب إلى أوروبا، بل لتوسيع نفذه.