مجلة البعث الأسبوعية

تويتر وفيسبوك.. حرية التعبير أم صيد المليارات؟

أوحت شركات الشبكات الاجتماعية أنها بذلت جهوداً كبيرة خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة لمنع انتشار المعلومات المُضللة والأخبار الكاذبة مقارنةً بالدورات الانتخابية السابقة.. لكن من الواضح أن هذه الشركات تورطت هذا العام على نحو غير مسبوق في الصراع الجمهوري الديموقراطي على الرئاسة.

إذ نم ترويج أنصاف الحقائق والأكاذيب بسرعةٍ كبيرة وعلى نطاقٍ أوسع، وجري مشاركة المنشورات المثيرة للفتن والانقسام وعدم الثقة على فيسبوك وتويتر بشكل أكبر، وكثيراً ما كانت أكثر قابليةً للتصديق من الحقائق المُؤكّدة. والآن، بينما نمتلك الوقت الكافي لاستطلاع تداعيات الانتخابات، فمن الواضح أنّنا بحاجةٍ لفعل المزيد بسرعةٍ واتّساقٍ أكبر من أجل وقف انتشار المعلومات الخاطئة على مدار العام وحول العالم.

 

تنظيف الشبكات الاجتماعية

ففي الفترة التي سبقت انتخابات الشهر الماضي، ألحقت منصات فيسبوك وتويتر ملصقات تحذيرية بعددٍ من تغريدات ومنشورات دونالد ترامب وأنصاره، واستمرت المنصات في فعل ذلك بالتزامن مع نشر الرئيس لتغريدات حول التزوير الانتخابي والتضارب في فرز الأصوات. وهذه مجرد بداية، لكن الأدلة تُشير إلى أنّ الملصقات نفسها لم تمنع انتشار المنشورات، إذ أشار فيسبوك، الذي يسمح للساسة بنشر الأكاذيب على منصته، خلال النقاشات الداخلية إلى أنّ الملصقات قلّصت انتشار منشورات الرئيس المستنكرة بنسبة 8% فقط؛ بينما قال تويتر إنّ ملصقاته ساعدت في تقليص انتشار التغريدات المُسيئة بنسبة 29% فقط وفقاً لأحد المقاييس.

والأسوأ أنّ الملصقات التحذيرية استخدمت لغةً مطّاطة، مثل وصف تأكيدات الرئيس على فوزه بالانتخابات أو سرقتها بأنّها “متنازعٌ عليها”، بدلاً من وصفها بأنّها خاطئة بكل بساطة. ولأن الشركات لم تكشف عن عدد مرات نقر المستخدمين على تلك الملصقات التحذيرية من أجل الوصول إلى معلوماتٍ أكثر موثوقية، يبدو من السهل الافتراض بأنّ تلك النقرات لم تكُن كثيرة.

وتنظيف الشبكات الاجتماعية ليس مهمةً سهلة، لأنّ حظر أو التضييق على الحسابات البارزة، حتى في أعقاب الانتهاكات المتكررة للسياسة والآداب العامة، لن يكون جيداً لسوق الإعلانات والدعاية على الشبكات الاجتماعية. ويبدو أنّ الحسابات الكبرى تُعامل بشكلٍ أكثر تساهلاً من الجمهور العادي، مما يُفسّر سبب إجبار فيسبوك مؤخراً على تفسير سبب عدم حظر حساب ستيف بانون، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس ترامب، بعد أن اقترح ضرورة قطع رأسَي الدكتور أنتوني فوتشي الذي انتقد إجراءات ترامب في مواجهة كورونا، ومدير مكتب التحقيق الفيدرالي كريستوفر راي. وحينها قال فيسبوك إنّ بانون لم يرتكب ما يكفي من الانتهاكات. والأمر يتعلّق في الواقع بالأموال والأرباح؛ إذ تجلب إثارة الجدل مزيداً من التفاعل، مما يزيد عائدات الإعلانات.

 

فرق لمراقبة آلة الخداع

وعلى المستخدمين أن يقلقوا من أن فيسبوك وتويتر لن يُحافظا على نفس مستوى اليقظة الآن بعد نهاية الانتخابات. وقد قال الرئيس التنفيذي لفيسبوك مارك زوكربيرغ ما يُشبه ذلك، بينما لم تختفِ دوافع نشر المحتوى المُضلّل في أعقاب الثالث من تشرين الثاني.

ولو كانت الشركات مهتمةً حقاً بنزاهة منصاتها، فسوف تُشكّل فرقاً من المراقبين لمراقبة حسابات المستخدمين ذات العدد الأكبر من المتابعين وإعادة التغريدات والتفاعل. وهذا يشمل حساب ترامب اليوم، وبعد عودته ليصير مواطناً عادياً، إلى جانب حسابات الرئيس المنتخب جو بايدن، ورئيس البرازيل جايير بولسونارو، وغيرها من الحسابات المؤثرة مثل حسابات إيلون ماسك وبيل غيتس وتايلور سويفت. ويقول فيسبوك إنّ لديه أدوات برمجية لتحديد متى تنتهك الحسابات واسعة النفوذ القواعد المفروضة، لكنّ لا يبدو أنّها ترصد المنتهكين بالسرعة الكافية.

ويُمكن اعتبار المشرفين على الخطوط الأمامية بصفتهم مراقبي القاعة الذين تنحصر مهمتهم في التأكد من امتلاك الطلاب لتصريح دخول، وليس إصدار العقوبات بالضرورة إنّ لم يمتلكوا التصريح.

وتقول سارة روبرتس، أستاذة دراسات المعلومات في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: “إن تعامل المنصة مع كافة المعلومات الخاطئة على أنّ لها الوزن نفسه هو أمرٌ مخادع، فكلما زادت شهرة الحساب، يجب أن يرتفع قدر المساءلة”.

ومع نظامٍ من هذا النوع، يُمكن للشركات أن تضمن أسرع استجابة ممكنة بحيث يتم فحص المنشورات من قبل بشرٍ حقيقيين، على غرار مدقّقي الحقائق الخارجيين المطلعين على سياسة الشركة والفروق الدقيقة والعادات المحلية. ولكن حين يعتمدون بدرجةٍ أكبر من اللازم على البرامج لتحديد ما يجب فحصه، فإنّ العملية تستغرق وقتاً أطول أو لا تحدث من الأساس. وفي غمرة الانتخابات تكون لكل دقيقة ثمنها، ويُمكن أن يقرأ الملايين المعلومة الخاطئة على نحوٍ خطير فوراً. ولو اقتنع ما يكفي من الناس بالكذبة، فسوف تكتسب الشرعية، وخاصةً لو كان الزعماء ورموز الثقافة هم من يُروّجون لها.

وقال سنان آرال، أستاذ معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الذي يدرس الشبكات الاجتماعية، إنّ المنشورات والتغريدات ولقطات الشاشة التي لا تتضمّن ملصقاً تحذيرياً من المرجح أن يُصدقها الناس، لأنّ غالبية المستخدمين يفترضون أنّها اجتازت بذلك اختبارات صحة المعلومات الخاصة بفيسبوك وتويتر.

ولا ينبغي أن يُمثّل التوظيف مشكلة؛ إذ إنّ فيسبوك وتويتر لديهما عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يعكفون على مراقبة المحتوى المخالف الشائع. ويُمكن لمثل هذا النظام أن يدعم فرق فيسبوك المتخصصة التي تعمل جنباً إلى جنب مع برنامج الذكاء الاصطناعي، والذي تقول الشركة إنّه قادرٌ على رصد المنشورات التي يذيع صيتها بشدة أو يُحتمل أن تصير كذلك.

أوضح آرال، الذي يتطرّق كتابه “آلة الخداع” إلى نقاط ضعف الشبكات الاجتماعية: “إنّ الإشراف على المنشورات بمعاونة البشر هو الحل الصحيح. ولن يكون الأمر سهلاً بالطبع، ولكنه سيُتيح المساءلة في الحالات التي قالت الشركات سابقاً إنّ البرمجيات هي المسؤولة عنها”.

 

حرية التعبير أم المراقبة؟

من الناحية المثالية، ستحظر الشبكات الاجتماعية حسابات المسؤولين الحكوميين، والشخصيات الإعلامية، والمشاهير الذين يكذبون وينتهكون السياسات باستمرار. ولكن الأمر لن يكون ممتعاً من الناحية المالية، ولذلك لم تُظهر تلك الشركات رغبةً كبيرة في فعل ذلك. وإضافة تعديلات بسيطة مثل لغةٍ أشد لهجة على الملصقات التحذيرية، ونقل الملصقات إلى أعلى المنشور بدلاً من أسفله، وعرقلة قدرة المستخدمين على نشر المعلومات الخاطئة تماماً من الحسابات الشهيرة كلها أمورٌ يُمكن لها أن تقطع شوطاً كبيراً في إصلاح تلك المنصات.

في جلستي استماع، انتقد المشرعون الجمهوريون مسؤولي الشركات التقنية بزعم تعدّيهم على حرية التعبير عن طريق إزالة المحتوى أو الحد من انتشاره أو إضافة الملصقات التحذيرية إليه. ولكن تجدر الإشارة إلى أنّ فيسبوك وتويتر يمارسان حقوقهما في حرية التعبير من خلال مراقبة مواقعهما. وربما تبدو مسألة مراقبة الشركات الخاصة لحسابات بعينها، وتحرّكها ضد المحتوى المرفوض، أمراً غير مستساغٍ للبعض. ولكنّ الشركات لا تُخالف القانون بذلك. والحلول البديلة ستكون أسوأ بكثير.

ويستغرق تقصّي الحقائق الكثير من الوقت. ولكن حتى تهتم شركات الشبكات الاجتماعية بالحقائق أكثر من الخيال، فلن تكون منصاتها أكثر من مجرد منبر لنشر الأكاذيب التي يرويها المسؤولون الغربيون يومياً بسرعةٍ أكبر.