التجريب في الأدب
البعث الأسبوعية- سلوى عباس
يظن بعض الكتاب أن التجريب هو في استعارة أشكال غريبة، أو في إحداث الدهشة أو إثارة التشويق، وكأنما هي الأساس، بينما هي وسيلة الكاتب إلى استدراج القارئ إلى مغامرة ربما كان بغنى عنها، والتجريب وحده لا يكفي، فقد يتحول إلى لعب جميل، أو نوع من الترفيه الروائي، وقد يفرضه استعصاء أو ممانعة، مما يؤدي إلى خلخلة بعض المفاهيم والأشكال المتعارف عليها، بشرط أن يكون النتاج الأدبي بمستوى المشكلات والإشكالات التي يواجهها، وليس خارجها. كما أن الأفكار كثيرة، متنوعة ومتعارضة، وهذا ما يجعلنا نرى نتاجات أدبية يغلب عليها طابع التجريب فيأتي كل عمل بتقنيات وأدوات جديدة ومختلفة، وهذا ما نلمسه لدى الكثير من كتابنا الذين يعيشون إحساساً يرافقهم كظلهم بعدم إقدامهم على التفكير بكتاب إذا لم يكن لديهم جديداً يقدمونه على صعيد التقنيات، ويبقون أسرى أسئلة متعددة تلح عليهم بأي زمن روائي سيكتبون، وأي موضوع سيتناولون، وكيف سيكون المكان، وهذه الأسئلة هي أساسية بالنسبة للكاتب الذي يحافظ على مصداقيته أمام قارئه، فهناك كتّاب لا يستطيعون البدء برواية إذا لم يحسموها نهائياً باعتمادهم محاولات تجريب أولية، ولو أن الصراع الموجود في العالم اليوم حول الرواية هو من سيضيف إلى التقنيات وليس من سيكتب حكاية جميلة، لأن الحكايات موجودة في كل مكان، ويبقى السؤال حاضراً كيف يضمّن الكاتب هذه الحكاية بسياقها الروائي وكيف يقدم شخصياتها، خاصة وأن هناك الكثير من النصوص التي تحتفظ بطزاجتها وحيويتها لزمن طويل، ربما لأنها لم تخض معركتها مع التاريخ بعد، فهناك معركة قائمة بين النص والتاريخ عبر الزمن، لكن ليس بالضرورة أن تنطبق هذه الفكرة على كل النصوص، فهناك حالة من اللعب من قبل الكاتب بالنص الذي هو أساس الإبداع، وليس من قانون يعتمده لكتابة روايته، فالكاتب المتمكن من أدواته كلما كتب رواية تتولد لديه أفكار جديدة وتقنيات أخرى مختلفة ويمتلك هذه الخبرة التي يتكئ عليها في تقديم نصه، ثم يعود للخبرة التي اكتسبها في مجمل أعماله الروائية، لأنها تنقذه خلال تدوين الصفحات، مع أنه لا يكتفي بذلك لأنه حسب شروط الإبداع الكاتب يبقى مهموماً بفكرة البحث عن التقنيات، وحول هذه الفكرة يحضرني سؤال وجهته لإحدى الكاتبات فيما إذا كانت تعتمد على التجريب، لابتكار صور ودلالات جديدة تشحنها بطاقة إبداعية متجددة، أم أنها تعتمده لخلق رؤى أخرى مختلفة عن السائد، فأجابتني أنها عندما تفكر بكتابة نص روائي أو قصصي تحضر لديها الفكرة أولا، لكن يبقى الأسلوب الذي تتناول عبره الفكرة هو ما يشغلها، إذ يهمها كثيراً الطريقة التي توصل بها أفكارها حتى تكون مختلفة بما تقدمه، كما تحاول أن تستنبط أسلوباً مختلفاً عن الآخرين.
من هنا نرى التجريب مغامرة شاقة تحتاج من الكاتب إلى إخلاص وإيمان وقدرة في البحث عن أشكال جديدة لا يمكن اقتحامها إلا بإدراكه لنفسه واستيعاب قضايا مجتمعه دون إغفاله لإيقاع العصر وتياراته، فالكتابة الآن تقيّم على قدر معرفة الحياة والعلاقة معها، لذلك لم تعد الأفكار هي الثابتة، والخبرة هي التي تحكم العمل الأدبي أي كان، وإن أسئلة الوجود والذات هي التي تحكم النص الروائي سواء السوري أو العربي، وحسب مانقرأ من تصريحات لروائيين رواد عن رأيهم بالأصوات الشابة أغلبهم يؤكدون أنهم يثمّنون أي نص جديد يقرؤونه بغض النظر عن عمر كاتبه، لأن الفن الجميل من وجهة نظرهم يفعل فعله بالروح، وهم بدورهم يسلمون أرواحهم بحرية للفن الجميل، فإذا لم يخرج الكاتب أو الكاتبة إلى هذا الأفق الرحب، فإن الغرور سيكون مقتلاً للأصوات الجديدة سواء في المقابلات الصحفية أو التلفزيونية أو الجوائز أو الشهرة، وكثيرة هي الأسماء التي يصيبها العماء والطرش مباشرة لكن الخرس لا يصيبها، بل تستمر بالثرثرة حتى تطغى على الإبداع الحقيقي.