مجلة البعث الأسبوعية

أقـل مـا يـقـال.. المعدن الحقيقي..!

“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي

لا يزال مسلسل الأزمات المستمر يعري معادن كثير من الجهات الرسمية وعدم مبالاة مدرائها – وأحيانا وزرائها – ووضعهم على محك حقيقة عملهم وإنجازاتهم، لاسيما الجهات ذات الصلة بالشأنين المحلي والمعيشي، والتي كشفت الأزمات حقيقة تسيّب جيوش موظفيها غير الآبهين بخدمة الوطن والمواطن. وللحقيقة، فإن بإمكان القاصي والداني أن يلمس حجم المخالفات والتجاوزات التي حلت في جميع القطاعات الخدمية والمعيشية والتجارية، وما تمخض عنها من نتائج وآثار سلبية لم تشوه مفاصل حياتنا اليومية وحسب، بل تعدتها إلى محاولة تكريسها وكأنها حق مكتسب لكل مخالف، لتصبح الفوضى منهجاً، والقفز فوق القانون عنواناً، والظفر بالمآرب غير الشرعية بطولةً!

والأمثلة في هذا السياق أكثر من أن تُحصى، ولكن – للتوضيح – سنعرض بعضاً منها كي نشخص الحالة ونوضحها لمن يرغب – ونقصد هنا بالتحديد رؤوس الهرم في كل قطاع – ونبدأ من العاصمة التي تحولت إلى حالة من الفوضى العارمة في مشهد يذكرنا بمدن منسية نشاهدها بين الفينة والأخرى في بعض البرامج التلفزيونية والإخبارية، وهي تعرض تدني مستوى الخدمات والبنية التحتية فيها عبر تسليطها الضوء على أسواقها المفتقرة لأدنى مستويات الجودة والتنظيم، وحالات التشرد والتسول، وتدهور واقع النقل الداخلي.. إلخ.

للأسف، هذا ما نلمسه في مدينة دمشق – ليس خلال هذه الفترة فقط – بل منذ سنوات طويلة، لكن الوضع ازداد سوءاً هذه الأيام بعد أن تحولت أرصفة شوارع العاصمة الرئيسية رويداً رويداً إلى أسواق مسقوفة بشوادر ممزقة وصفيح مهترئ، بعد أن كانت عبارة عن بسطات يُنظر إلى أصحابها بعين العطف والشفقة، وليصبحوا في ظل تراخي أجهزة الرقابية أصحاب حق، واستطاعوا بتشبثهم بهذا الحق المزعوم تحييد المارة عن الرصيف، وإجبارهم على المشي على الشارع، وسط زحمة السيارات الخانقة!

ولعل الخطورة تكمن فيما يباع في هذه الأكشاك المهترئة من مواد غذائية وأدوات كهربائية وقرطاسية، وغير ذلك من المواد والسلع البعيدة عن أعين أجهزة حماية المستهلك، لاسيما أننا نشك بنظامية دخولها إلى بلدنا وتغلغلها بأسواقنا، ناهيك عن مدى جودتها وصلاحيتها وسلامة استخدامها!

وإذا ما انتقلنا إلى بقية المحافظات، وخاصة في أريافها، فسوف نرى العجب العجاب من استنزاف الثروة المائية في سباق محموم لحفر الآبار غير النظامية من منطلق “حلال على الشاطر”، دون أدنى حد من المسؤولية، بل إن البعض عمد إلى حفر أكثر من بئر إذ “لا رقيب ولا حسيب!”، فضلاً عن التوسع السرطاني للبناء العشوائي، وتكاثر عدد المتسولين من جميع الأعمار في ظاهرة غير مسبوقة، وتدهور مستوى النقل الداخلي بشقيه العام والخاص.. إلخ.

كان على مسؤولينا، بدلاً من الإشادة بإنجازاتهم المحدودة، وإلقاء تهم التقصير على من سبقهم من إدارات، وإغداق الوعود والتسويفات، أن يعاينوا معاناة المواطن الحقيقية، وما يدفعه للقيام بالتجاوزات والمخالفات غير المبررة، ليقطعوا الطريق عليها، بتأمين كل ما يمنع وقوعها، واجتراح الحلول لمعالجتها!