دراسات

ترامب يعقّد المشهد الإفريقي أمام بايدن

ريا خوري

يعتزم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل مغادرته البيت الأبيض، في العشرين من كانون الثاني 2021، سحب معظم القوات العسكرية الأمريكية الموجودة في الصومال، في إطار عملية انسحاب عالمية للقوات الأمريكية من مناطق وجودها في بلدان العالم، وذلك وفق ما أعلنه البنتاغون قبل أيام.

تزامن هذا القرار مع مطالبة الرئيس الصومالي محمد عبد الله محمد بعودة الدور الأمريكي في الصومال بقوة، حيث أكد أن الولايات المتحدة الأمريكية مكّنت الحكومة من محاربة “حركة الشباب” بشكل فعّال، وأنه لا يمكن تحقيق أي انتصار إلا من خلال شراكة أمنية مستمرة، ودعم بناء القدرات الصومالية. حالياً يوجد نحو 700 جندي أمريكي في الصومال، مهمّتهم تتركز في مساعدة القوات المحلية على مواجهة “حركة الشباب” المتشدّدة التي تربطها علاقات قوية مع تنظيم “القاعدة”.

عملية الانسحاب تلك تأتي في إطار عملية انسحاب عالمية ستضمن تقليص عدد القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان. وعلى الرغم من تلك الخطوة المهمّة، نجدها لا تحظى باهتمام في الولايات المتحدة، إذ كان الوجود الأمريكي في الصومال نقطة خلاف كبيرة بين الرئيس ترامب ووزير دفاعه السابق مارك إسبر الذي رأى أن كينيا كانت وما تزال تدعم الحكومة الصومالية في عدد واسع من المجالات، وتساهم بقوات عسكرية ضمن القوة التي يقودها الاتحاد الأوروبي.

لقد عملت إدارة الرئيس دونالد ترامب منذ العام الماضي على تقليص قوة “أفريكوم” في عدة أماكن تنشط فيها الجماعات الإرهابية التي اكتسبت دعماً كبيراً من خلال الدعم التركي- القطري اللا محدود في السنوات الأخيرة عبر ليبيا، بحجة أنها تكلّف نحو مئة مليون دولار.

ومع ازدياد تدفق المجرمين والإرهابيين إلى ليبيا التي يقوم بها أردوغان، وتشجيع تلك الجماعات وزيادة أعمال القتل والسلب والنهب والتخريب في منطقة جنوب الصحراء كلها، وخاصة في المنطقة الساحلية وعبر إفريقيا من جمهورية مالي إلى بوركينا فاسو، كان من المفترض أن تعزّز الولايات المتحدة قوة (أفريكوم) لا أن تقلّصها، لكن من الواضح أن الولايات المتحدة تنسحب من مواجهة الإرهاب عموماً وتعمل على تحصين أراضيها فقط.

ومن المؤكد اليوم أن إستراتيجية الولايات المتحدة فيما يتعلق بالقارة الإفريقية تشهد تراجعاً ملحوظاً منذ رئاسة باراك أوباما، والتي كان اهتمامه فيها مجرد تصريحات وكلام إعلامي أكثر منها إجراءات عملية. وهو ما فتح الباب أمام تركيا الأردوغانية لمحاولة الحصول على نصيب من كعكة إفريقيا لمصلحة شركات ورجال أعمال دائرته الضيّقة في حزبه (حزب العدالة والتنمية)، حيث بلغ ذلك التغلغل ذروته في فترتي رئاسة باراك أوباما، ثم جاء ترامب ولديه أولويات عديدة أخرى غير التركيز على إفريقيا.

إن انسحاب القوات الأمريكية بشكل متواصل أمام عودة المخاطر الإرهابية وأعمالها التدميرية البشعة، بما وراءها من دعم  تركي، يمهّد بقوة لعودة التصعيد مع دخول إدارة ديمقراطية جديدة برئاسة جو بايدن إلى البيت الأبيض. من هنا يمكننا النظر إلى أن سحب الجيش الأمريكي واستخباراته من الصومال يأتي في سياق استمرار تراجع الدور الأمريكي في مواجهة الإرهاب، والذي يُخشى أن يتعزّز مع رئاسة جو بايدن من الحزب الديمقراطي. وإذا كانت أولويات السياسة الخارجية للإدارة الجديدة هي روسيا والصين من ناحية، والتعاون والتنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى، فإن ترتيب إفريقيا في تلك الأولويات سيأتي متأخِّراً جداً، إضافةً إلى أن سياسة التغييرات والتحالفات التكتيكية قد تضعف الحرب على الإرهاب بشكلٍ عام وتعيد إحياء مطامع القوى التي تدعمها مثل تركيا، وهذا يعني أن واحدة من أبرز بؤر تجمع الإرهاب، وهي ليبيا، ستعود إلى المربع الأول على طريقة إدارة الرئيس باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون.