الخانجي يشعل بثلاثين لوحة ثلاثين عاماً فلسفة الإصغاء البصري
حلب- غالية خوجة
تتبدل الألوان مع كل إشراقة شمس لتتغير مع ظلالها وتدرجاتها وحكاياتها ودلالاتها وفلسفتها ورموزها، منتجة أعمالاً إبداعية متنوعة، تتحرك شخوصها وعناصرها أمام فنانها وهو يصغي إليها وتصغي إليه، كما يصغي المتلقي إليها وإلى فنانها، كما هي تصغي إلى المتلقي أيضاً، ليكتشف أبعاداً من ذاته ومجتمعه وحياته وهي تتسرب منها بألوان حارة وباردة وما بينها من فراغات متناغمة تعزف على كتلها الثابتة ظاهرياً، المتحركة باطنياً، لتستنطق كينونتها والعالم المحيط.
هذا ما يحيلنا إليه المعرض الفردي للفنان محسن خانجي “بين الحداثة والتراث” بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على افتتاحه صالة الخانجي للفنون الجميلة بحلب، وعن هذه الاحتفالية المشتعلة بثلاثين لوحة من تجربته، قال المبدع خانجي لـ”البعث: باقون، وما زلنا، وسنعمل على إعادة سورية من جديد بصورة ومضمون أجمل، وكم عرض عليّ بيع الصالة إلاّ أنها روحي التي لا أستغني عنها وأظل فيها مع ألواني.
وأكد التشكيلي إبراهيم داود مدير المعارض في اتحاد الفنانين التشكيليين على تجربة خانجي الفنية ملفتاً كيف بدأت مسيرته مع الضغط على النحاس، وكان الأول بسورية في هذا المجال مستخدماً الرسم والزخرفة، وأضاف: خانجي أول من أدخل الرسم الزيتي مع النحاس، وطور تجربته بالأعمال الزيتية بالحجم الكبير إلى التعبيرية ذات المضمون الإنساني حيث أبدع في هذه التجربة، كما أن صالته منذ 30 عاماً ساهمت مع فنه في تطوير الحركة التشكيلية السورية.
ورأى التشكيلي طلال شعار أن خانجي يفاجئنا كعادته بالجديد، ولوحاته مبهرة بتكنيكها المتفرد وإضاءاتها الرومانسية وقصصها الجديدة، وهذه المرة، يروي لنا بريشته رحلة الإنسان المشرقي، رحلة تبدأ من سحر الشرق وتنتهي بمغامرة قسرية محفوفة بالمخاطر بلا دليل ولا بوصلة، كأننا أمام موروث موغل في القدم ومستقبل مجهول ومغيم الملامح، ولا شيء مؤكد سوى المعاناة والألم، الواصلون قلائل، والضائعون كثيرون، والنهاية سرمدية، خانجي آخر الفنانين المجددين.
وعن تجربة خانجي أخبرنا التشكيلي صلاح الخالدي: خلال متابعتي لأعماله ومراحله التي عمل بها وعلى مدار الأيام، استطاع أن يثبت أنه فنان مخضرم مخلص لعمله وفكره ورؤيته المتفردة العاكسة لأسلوبه وشخصيته، وتخطى بتجاربه ومواضيعه عدة منعطفات وبشكل حاد. ولقد أحببتُ من أعماله المرآة والأسطورة والبيئة.
ورأى التشكيلي بشار برازي أن أهم ما يميز تجربة الفنان الخانجي هي بصمته اللامعة في التشكيل السوري، المميزة بتقنياته وطريقة تفكيره في الإخراج النهائي للرسالة البصرية، رغم تعدد المواضيع، وتعدد الدلالة في كل موضوع، وهو من أوائل الفنانين الذين تناولوا موضوع الدوران في الصوفية، والأساطير والملاحم، إضافة لرؤيته للزخرفة والخط العربي، ولقد وقعها برموزه التي ابتكرها خلال تجربته الواسعة، ومازال يقدم المفاجآت الجديدة.
الأعمال بزمنها الفني والواقعي تحدت الظروف والأزمات والدمار والظلام، وصمدت مع بصمتها اللونية وأسلوبها المميز، الذي يعتمد فيه فنانها خانجي على مفردات وعناصر وعوامل تشتبك لتتفرد من خلال تجولاتها بين ظل للمعنى وضَوءٍ للدلالة، وبين تحولاتها الواقعية والرومانسية والرمزية والتجريدية والطبيعية والسوريالية والتشكيلية الخطية والحكائية، والتعالق بين الروحي وإشعاعاته من خلال الحرف العربي، وجمله الحكيمة، ورموزه المولوية بين حضور شخصية الدرويش، أو الألوان الدالة عليه من تدرجات الزرقة السماوية والأحجار الكريمة اللازوردية والزبرجدية والعقيقية، وتداخلاتها مع حركة الخط وانحناءاته وخلفية العمل المختزل غالباً لأنشودة دينية روحانية ودعوات صافية.
نذكر أن محسن خانجي يحتفي كل سنة مع صالته بمعرض يتجدد كل عام بحضور شخصيات رسمية وفنية ومثقفة ومهتمة وعاشقة للفنون، وفي هذا المعرض الذي افتتحته مديرية الثقافة بحلب ممثلة بمديرها جابر الساجور، كما افتتحه اتحاد الفنانين التشكيليين- فرع حلب، تجاوز الحضور300 إنسان مهتم بتجربة خانجي المتنوعة العازفة على عدة خامات منها النحاس وإدخال الرسم على النحاس والزيتي والإكريليك وغيرها، الهادفة إلى إشعال شمس لونية تتحدى الظلمات والحرب وتحتفي أيضاً بانتصارات حلب وسوريتنا الحبيبية على كل إرهاب وعبْر كل الأزمنة، كما تحتفي بجميع التجارب الفنية وتقيم المعارض وتهتم بالجيل الشاب وتحتفي بالمثقفين والأدباء والفنانين وكأنها مركز ثقافي فني منذ لحظتها الأولى التي حضر افتتاحها منذ ثلاثين عاماً الكثير من الفنانين من جميع أنحاء سورية.