دراسات

أردوغان يسير على حافة الصدام مع الغرب

سمر سامي السمارة

 قررت الولايات المتحدة والدول الأوروبية مؤخراً اتباع نهج مشترك لقص أجنحة تركيا وكبح قدرتها على التمدد خارج حدودها الإقليمية والتصرف كقوة عظمى، إذ قامت تركيا في ظل حكم أردوغان بالتوسع في ليبيا، والتدخل في أذربيجان في القوقاز، وامتدت تدخلاتها العسكرية في سورية لتعبر البحر المتوسط، بالإضافة إلى مشاريع التنقيب التي تقوم بها في شرق البحر المتوسط، ما جعلها على خلاف مع دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، بما في ذلك فرنسا، وبناء عليه، أعلن الاتحاد الأوروبي بالتزامن مع الولايات المتحدة عن عقوبات تستهدف الدفاع والاقتصاد التركي “لتلقينها” درساً، ويبقى أن هذه العقوبات قد تدفع تركيا بشكل أكبر نحو روسيا وحتى الصين.

اتفق قادة الاتحاد الأوروبي مؤخراً على فرض عقوبات على عدد غير محدد من المسؤولين والكيانات الضالعة في التنقيب عن الغاز في المياه القبرصية، بينما كانت فرنسا واليونان وقبرص تبحث عن عقوبات أكثر صرامة، كالتعرفات التجارية، وحظر الأسلحة، وقرر المجلس الأوروبي التشاور مع إدارة بايدن القادمة فيما يتعلق بالمجموعة الكاملة من العقوبات.

من ناحية أخرى، قررت الولايات المتحدة معاقبة رئاسة الصناعات الدفاعية التركية، ووكيل وزارة الدفاع للصناعات الدفاعية إسماعيل دمير، وتأتي العقوبات الأمريكية رداً على شراء تركيا لمنظومة صواريخ اس 400 الروسية.

يسود العلاقات التركية الأوروبية نوع من التوتر ليس حديث العهد، إلا أن التوترات الأخيرة على خلفية تغيير طفيف، لكنه مهم، في نهج السياسة الخارجية التركية، ويبدو أن تركيا، في ظل قيادة أردوغان، قد خلصت إلى أن نشر القوة الصلبة في الخارج بشكل مستقل يخدمها بشكل أفضل من التحالف مع القوة الضعيفة لحلف شمال الأطلسي، نتج عن هذا الحساب تحول كبير في الطريقة التي بدأت بها تركيا نشر قواتها وتطبيق سياستها العدوانية في ليبيا وسورية والعراق وأذربيجان وأماكن أخرى.

وعلاوة على أن أجندة أردوغان الخارجية تخدم مصالحه السياسية الداخلية أيضاً، فإن تركيا من خلال إقحام نفسها بشكل مباشر في مناطق الصراع لا تضغط فقط لإضافة المزيد إلى نفوذها الدبلوماسي، بل تفرض نفسها على نحو متزايد كقوة مهيمنة لها الحق والمطالبة بقوة عسكرية للتوسط وإدارة النزاعات، وبالنسبة لنظام أردوغان، ما يقوم به ليس مجرد مغامرة، فهو يعتبر أن الوجود العسكري التركي المتزايد في التربة الأجنبية إنجاز وطني يتم إخفاؤه لتحقيق هدف نهائي يتمثّل بإعادة تجسيد تركيا كامبراطورية عثمانية، وعلى الرغم من أنه لا يمكن لهذه الامبراطورية أن تتشكّل فعلياً، إلا أن تركيا، من خلال توسيع نطاق انتشارها المادي، تبحث عن مساحة تعطيها تأثيراً كافياً لتكون بمثابة امبراطورية عثمانية جديدة نوعاً ما.

لذا يبدو أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عازمان على الحد من طموحات تركيا من أجل منع ظهورها كلاعب مستقل آخر في عالم أصبح متعدد الأقطاب إلى حد كبير، مع الصعود الهائل للصين وروسيا، فتركيا الحازمة القريبة من الاتحاد الأوروبي أصبحت مصدر إزعاج لا يريد الاتحاد الأوروبي التعامل معه.

تشتري تركيا صواريخ أرض- جو الروسية المتطورة من طراز اس 400 على الرغم من كونها حليفاً للناتو، وهي بذلك تتحدى الولايات المتحدة، ثم تتخذ خطوات للتقرب من رئيسها، أردوغان يهين القادة الأوروبيين، لكنه لا يفسد مفاوضات انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، يستفز اليونان وقبرص على الحدود البحرية لشرق المتوسط، ​​ثم يدعو إلى الحوار، وبالتالي، فإن تركيا مصدر إزعاج يسبب الكثير من المتاعب لكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبالنسبة للتحالف عبر الأطلسي في حقبة ما بعد ترامب، سيكون التحدي الرئيسي هو كبح جماح “الطاغية” من خلال تطبيق مجموعة واسعة من العقوبات، أو من خلال تخفيض التعاون الاستخباراتي والعسكري، وتجاوز تركيا بشكل أكثر وضوحاً في حلف شمال الأطلسي، والاستعداد لنقل بعض الأصول الاستراتيجية الأمريكية من انجرليك إلى اليونان، وهو قيد التنفيذ بالفعل، وبناء العلاقات مع قادة المعارضة التركية، وإعاقة السياحة من خلال تحذيرات السفر السلبية، والتأثير على وصول أنقرة إلى الأسواق المالية الغربية.