دراساتصحيفة البعث

غزة تكشف الألوان الحقيقية للولايات المتحدة

هناء شروف

منذ قيام الكيان الإسرائيلي بقصف غزة بشكل همجي، ظلّ المجتمع الدولي يدعو إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، نظراً لارتفاع عدد الضحايا الناجم عن القصف الإسرائيلي المتواصل لقطاع غزة، والأزمة الإنسانية المتفاقمة باستمرار.

لكن ردّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على الأزمة خلال زيارته الأخيرة للمنطقة صدم العالم، ففي اجتماعه مع وزراء الخارجية العرب رفض بلينكن بشكل مباشر اقتراح وقف إطلاق النار الذي تقدّمت به الدول العربية، مؤكداً على حق “إسرائيل في الدفاع عن النفس”، ودعم الحكومة الأمريكية المستمر للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد المقاومة.

تصريحات بلينكن تكشف عن المعايير المزدوجة التي تلجأ إليها الولايات المتحدة في القضايا ذات الاهتمام العالمي الكبير، فمن خلال انحيازها إلى الكيان الصهيوني، وصبّ الزيت على النار التي تحول إليها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تهدّد الولايات المتحدة بزعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط برمتها.

لقد أسفرت العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة عن مقتل أكثر من 10.000 شخص بما في ذلك أكثر من 4.000 طفل. وقد أصيب عشرات الآلاف من الأشخاص وتشرد نحو 1.4 مليون شخص، ويعيش جميع الشعب الفلسطيني البالغ عدده 2.3 مليون نسمة تقريباً في حالة من انعدام الأمن الشديد، ويواجهون نقصاً حاداً في الغذاء والدواء.

لقد تمّ تدمير البنية التحتية الأساسية في غزة، وفي مواجهة النداءات الدولية لوقف فوري لإطلاق النار دعت الولايات المتحدة إلى “وقف مؤقت” يسمح لـ”إسرائيل” بمواصلة عملياتها العسكرية التي ستؤدي بدورها إلى تفاقم الأزمة الإنسانية. إن الولايات المتحدة تضع مصالح “إسرائيل” فوق القانون الإنساني الدولي، وتعطي الأولوية للكيان الصهيوني على حساب حياة الشعب الفلسطيني، بما في ذلك الأطفال الأبرياء. إن “الهدنة المؤقتة” التي تدعو إليها الولايات المتحدة ليست مجرد نفاق فقط، ولكنها أيضاً غير إنسانية مما يسلّط الضوء على مستوى المعايير المزدوجة التي يمكن للولايات المتحدة أن تلجأ إليها.

إن دعم الولايات المتحدة الصريح وغير المشروط لـ”إسرائيل” يعني “الضوء الأخضر” للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. وفي حين دعت الولايات المتحدة شفهياً إلى وقف الصراع، فإنها في الواقع تلعب دور التمكين.

في الواقع إن وصف الولايات المتحدة بأنها طرف في الصراع لن يكون من قبيل المبالغة، فقد زوّدت الولايات المتحدة “إسرائيل” بالإمدادات القتالية، ونشرت ضباطاً عسكريين أمريكيين رفيعي المستوى للمشاركة في التخطيط القتالي، وتقديم الدعم الاستخباراتي للجيش الإسرائيلي. كما أنها تقدّم المشورة للحكومة الإسرائيلية بشأن حكم ما بعد المقاومة في غزة، وأرسلت مجموعتين من حاملات الطائرات، و2000 جندي أمريكي إلى الشرق الأوسط “لتشجيع إسرائيل” على مواصلة عملياتها العسكرية، واعترضت على قرارات وقف إطلاق النار أو عارضتها في الأمم المتحدة، وطلبت من الدول العربية التعاون معها من أجل “استقرار” الوضع.

إن إستراتيجية واشنطن وتصرفاتها دليل على تورطها في الصراع، ونظراً لضخامة المأساة في غزة، فحتى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لم يتمكن من غضّ الطرف عن الصراع الأحادي الجانب، وقال إنه في مثل هذه المذبحة عليك أن تعترف بأن لا أحد يداه نظيفة وأننا جميعاً متواطئون إلى حدّ ما. وقال أيضاً إن الصراع في الشرق الأوسط هو “حساب أخلاقي لنا جميعاً”.

الحقيقة أن التصريحات والمعايير المزدوجة التي تلجأ إليها الولايات المتحدة فيما يتصل بالقضايا الإنسانية تكشف أيضاً فشلها في حلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ودفع عملية السلام في الشرق الأوسط، وهو ما يرجع في الأساس إلى سياستها المناصرة لـ”إسرائيل”.

دعم الولايات المتحدة الأعمى لـ”إسرائيل” هو الذي شجّعها على التصرف مع الإفلات من العقاب، وجعل من الصعب تنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة بشأن القضية الفلسطينية واحترام القانون الدولي.

إن القضية الفلسطينية هي جوهر مشكلة الشرق الأوسط، وتهدّد مرة أخرى الأمن والاستقرار في المنطقة، ومن دون حلّ القضية الفلسطينية واستعادة السلام الدائم لن يشهد الشرق الأوسط السلام أبداً. والسياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة منذ زمن طويل، والمتمثلة في الدعم الأعمى لـ”إسرائيل” لا تشكل عائقاً رئيسياً أمام السلام فحسب بل تشكل أيضاً مصدراً مهماً للاضطرابات المستمرة في الشرق الأوسط.

لقد أظهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الدائر الألوان الحقيقية للولايات المتحدة، الأمر الذي ألحق ضرراً بالغاً بسمعتها. أما بالنسبة لمفهوم “التدخل الإنساني” الذي تمّ الترويج له بشكل مكثف من قبل الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية فقد انكشفت حقيقته.

في واقع الأمر أصبح خطاب الولايات المتحدة بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان موضوعاً للسخرية على مستوى العالم، فالاحتجاجات تعمّ جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المدن الأمريكية، وهي ليست موجهة فقط ضد انتهاك “إسرائيل” المستمر للقانون الدولي وحقوق الإنسان في غزة، ولكن أيضاً ضد السياسة الخارجية لحكومة الولايات المتحدة التي تغذي الصراعات في الشرق الأوسط.