دراساتصحيفة البعث

مجموعة السبع.. مراوغة في الكلمات

عائدة أسعد

إن وقف إطلاق النار بشكل نهائي بالنسبة لأغلب الناس العقلانيين يشكّل ضرورة أساسية لوضع حدّ للمذبحة في غزة، لكن وزراء خارجية دول مجموعة السبع، والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي يعتقدون خلاف ذلك، فقد دعوا إلى وقف مؤقت للقتال لتسهيل المساعدة الإنسانية التي تشتدّ الحاجة إليها مع تصعيد العدوان الإسرائيلي على غزة.

قد يبدو للبعض أن ذلك مراوغة في الكلمات، لكن من البديهي أن يكون وقف إطلاق النار هو وقف القتال بهدف وضع نهاية دائمة للأعمال العدائية، والإيقاف المؤقت ليس إلا مقاطعة قصيرة للإجراء ثم يستمر بعد ذلك، وتستمر معه إراقة المزيد من الدماء، ولذا فمن المخادع أن يقول وزراء خارجية مجموعة السبع، وممثل الاتحاد الأوروبي إنهم ملتزمون بعملية سلام أوسع نطاقاً، وإيجاد حلّ مستدام طويل الأمد.

إنهم في الحقيقة يعترفون بأن تصاعد أعمال العنف من قبل المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين في الضفة الغربية ضد الفلسطينيين يهدّد احتمالات التوصل إلى سلام دائم، وهم يقولون إن ذلك غير مقبول، ويعترفون أيضاً بأن حلّ الدولتين، الذي يتصوّر “إسرائيل” ودولة فلسطينية قابلة للحياة تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن، واعتراف متبادل، يظلّ السبيل الوحيد لتحقيق سلام عادل ودائم وآمن، لكنهم لا يدعون بوضوح إلى وقف إطلاق النار، ويبدو أنهم الآن يحاولون إلقاء اللوم على الأزمة الإنسانية على باب الصين.

ففي كلمتها خلال مؤتمر سفراء الاتحاد الأوروبي 2023 قبل أيام، ذكرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الصين 21 مرة، وقالت: “إن كلّ إجراء من النفوذ الذي تتمتّع به بكين على المقاومة وعلى إيران يجب استخدامه لمنع المزيد من التصعيد”.

بينما كانت الصين على أرض الواقع تسعى جاهدة إلى تأمين الإجماع الدولي الملزم بشأن الخطوات الملموسة لوقف تصعيد الأعمال العدائية، وتأمين وقف إطلاق النار، إذ أن موقفها واضح ويدعو إلى إنهاء القتال في أسرع وقت ممكن، وحماية المدنيين، وتحقيق التعايش السلمي على أساس حلّ الدولتين في أقرب وقت ممكن.

وقد لا يعتبر البعض على كلا الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني أن حلّ الدولتين مثالي، ولكن في الحقيقة هو السبيل الوحيد أمام الجانبين حالياً لكسر دائرة العنف الطويلة التي لم تسفر إلا عن إراقة الدماء والمعاناة وتوليد الكراهية المتبادلة.

وهذا ليس حلاً تمليه واشنطن، بل هو حلّ الدولتين المتفق عليه في المفاوضات السابقة بين الجانبين في إطار قرارات الأمم المتحدة.

إن البيان الذي صدر بعد اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في طوكيو يشبه دموع التماسيح التي يذرفها المسؤولون الأميركيون على الأطفال الذين قتلوا في أوكرانيا، في حين لم يظهروا أية مبالاة إنسانية تجاه أولئك الذين يقتلون في غزة.

وكونهم دعوا إلى هدنة إنسانية بدلاً من وقف نهائي لإطلاق النار، فمن الواضح أن الأعضاء الآخرين في مجموعة السبع يفتقرون إلى الإرادة الجماعية لقطع العلاقات مع واشنطن.