أعياد رأس السنة والميلاد.. أمنيات لعام جديد واحتفالات تحاكي الواقع المعيشي
لم تجد طلبات ريتا المتكررة أذناً مصغية بشراء شجرة عيد ميلاد هذا العام، فعلى الرغم من محاولة والدها إقناعها العام الماضي بتأجيل شراء الشجرة لهذا العام على أمل انخفاض سعرها أو حتى تحسّن الوضع المعيشي الذي تدهور هذا العام أكثر من أي وقت مضى، إلّا أن الواقع اليوم أثبت العكس، فمع موجة الارتفاع المخيفة التي طالت جميع السلع بعد زيادة الرواتب الأخيرة وتحليق سعر صرف الدولار عالياً لم يجد السوريون في أعياد الميلاد أمامهم سوى اختصار احتفالهم بهذه الشجرة كرمز لعيد الميلاد والصلوات الدينية، إلّا أن شراء أدنى مستلزمات العيد من زينة لشجرة العيد وأصناف ضئيلة من الحلويات فاق الخيال، لتضطر الكثير من الأسر إلى الاستغناء عن شراء شجرة عيد الميلاد وأصناف الحلويات البسيطة واختصار العيد على الصلوات وإعداد صنف من الحلويات في المنزل كي يشعر الأطفال بوجود العيد.
بابا نويل
ضيق الحال المعيشي على أغلب المواطنين رافقه ارتفاع في منسوب البرستيج عند الطبقة الأخرى من المجتمع التي لا يمكنها الاستغناء عن طقوس أعياد الميلاد ورأس السنة، بل على العكس فاقت التكاليف والتحضيرات لهذه الأجواء الوصف، ما دفع العديد من الرجال ذوي الدخل المحدود لاستغلال هذه الأعياد وتقديم إعلانات على صفحات التواصل لأخذ دور “بابا نويل” في توزيع الهدايا على هذه العائلات الميسورة وتحديد تسعيرة خاصة لكل منطقة، بدءاً من عشرة آلاف ليرة في الأرياف وانتهاءً بخمسة وعشرين ألف ليرة في المدينة، مع التزام الأهالي بشراء الهدايا التي يرغبون بتقديمها في عيد الميلاد، والذي لا يمكن لأطفال الطبقة الثرية تخيّل قدومه دون بابا نويل وكيسه المملوء بالهدايا التي يكتبها الأطفال في رسائل ويضعونها بجانب شجرة عيد الميلاد، في حين يمضي عيد الميلاد عند الفئة الأخرى دون قدوم “بابا نويل” ودون اصطحاب الهدايا، مكتفين بالتمتّع بمناظرها على واجهات المحال التجارية ورسم صور “لبابا نويل” على دفاتر رسمهم المملوءة بأحلامهم!.
زينة خجولة
لم تختفِ زينة أعياد الميلاد ورأس السنة من الأسواق، بل ما زلنا نرى بعض أصحاب المحال التجارية يزينون واجهات محالهم، لجذب المواطنين لشرائها، لكن المواطنين هذا العام اكتفوا بالتمتع بالنظر إليها وهي تزين المحال، فقد حلقت أسعار شجرة عيد الميلاد ليصل سعر أصغر شجرة إلى 150 ألف ليرة سورية، ناهيك عن الزينة التي ترافق هذه الشجرة، لتصل تكلفة شجرة عيد الميلاد مع زينتها المتواضعة إلى نحو 250 ألف ليرة، وهذا ما جعل الكثير من الأسر السورية تستغني عن هذا الطقس الذي يمثل رمزاً من الرموز الدينية التي ترافق عيد الميلاد، ولم يبدِ التّجار أي ردّ فعل سلبي تجاه انعدام حركة البيع والشراء خلال فترة الأعياد هذه، فقد اعتادوا خلال سنوات الأزمة على انخفاض حركة البيع نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب وارتفاع الأسعار الذي لا يد لهم فيه، متذرعين بارتفاع سعر الدولار الذي على الرغم من انخفاض سعره إلا أن تحليق الأسعار لازال يدور في إطار جميع السلع، لترتفع أسعار ألعاب الأطفال إلى أكثر من ثلاثة أضعاف سعرها في العام الماضي، وتنخفض مع هذا الارتفاع حركة البيع إلى أدنى الدرجات، وضمن موجة الغلاء الهيستيرية التي طالت كل شيء يخصّ هذه الأعياد بما فيها الحلويات، والتي لطالما شكلت طقساً وحرص السوريون على وجودها ضمن موائدهم في المناسبات والأعياد، فقد أصبحت محلات بيع الحلويات شبه خالية أيضاً من الزبائن بسبب تحليق أسعارها عالياً، لتشكل موجة الغلاء هذه منغصاً حقيقياً لأجواء العيد لدى الكثير من الأسر السورية التي ستكتفي بتقديم نوع واحد من الحلويات، وإلغاء مشروع شراء ثياب العيد الجديدة لأطفالها بعد أن أصبح شراء أي قطعة يضاهي راتب موظف حكومي.
عدم التزام
وعلى الرغم من الشكاوى الكثيرة التي نسمعها في اليوم الواحد عن عدم التزام المحال التجارية بشكل عام ومحال الحلويات بشكل خاص بالأسعار التي تحدّدها الوزارة، إضافة إلى رفضهم وضع التسعيرة اللازمة على كل صنف، إلا أن المسؤولين ما زالوا يصرّون على أنهم يعملون على ضبط الأسعار وإعادتها إلى مستواها الطبيعي، وخاصة قبل حلول الأعياد، لكن الأرقام لا تذهب إلى ما تعلن عنه الجهات الرسمية، ومديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بريف دمشق، إذ لا وجود للجولات التي تتحدث عنها الوزارة في هذه الفترة التي يكون فيها المواطن بأمسّ الحاجة لوجودهم في الأسواق لضبط المخالفين وتنظيم الأسعار.
عام أفضل
وعلى الرغم من قيام بعض المناطق بإضاءة أشجار عيد الميلاد وإدخال الفرح لقلوب السوريين المثقلة بالهموم، إلّا أن الكثير من الانتقادات طالت أصحاب هذه الفكرة بحجة أن الواقع الصعب لا ينسجم مع هذه التكاليف التي تصرفها الجهات الحكومية على أمور لا تحمل قيمة مضافة للمواطنين الذي ينتظرون اليوم تأمين أبسط مقومات العيش، والذين سيكتفون في أيام الأعياد هذه بالصلاة في قلوبهم لمجيء عام أفضل بعيد كل البعد عن السنوات العجاف السابقة، وأن نرى بابا نويل قادماً في العام القادم محملاً بالهدايا لأطفالنا ولبلدنا بغدٍ أفضل.
ميس بركات