ظهراً لظهر!؟
د. نهلة عيسى
المعتاد والطبيعي، أن أكتب اليوم مرثية رومانسية في وداع عام “2020”، باعتبار أن عاماً من عمرنا القصير قد مضى!، لكني في الحقيقة أواجه الخواء، لأن لا شيء في داخلي في وداع “الراحل”، سوى الفرح بأنه قد رحل، وبأننا ولحسن الحظ من العابرين.. الواقفين على أبواب العام الجديد على أمل، خاصة وأن الأمل أصبح بضاعة ثمينة عصية على أمثالنا “المعتاشين” على بقايا الأشياء من كل الأشياء!؟. المعتاد والطبيعي، أن أكتب بشجن عما فارقناه، وغادرناه، لكن وظهري في ظهر الـ “2020”، أتلمس جدران العام الجديد، كمن يتلمس جدران مقام أحد الأولياء، وأهمس في أذن الجدران: حذّروه، نحن في كرب، وأصابعنا مرفوعة غضباً سلفاً في وجه كل أحد، فليتجنب أن يكون شبيهاً بأي أحد، وليبذل قصارى جهده أن يشابه ولو بعض أحلامنا، فقد سئمنا ممن يخيبون آمالنا، ونود أن نصحو يوماً غير هيابين من اليوم.
سئمنا أن نشاهد في النهار ما يبدو شمساً وليس شمساً، بل مجرد سراب ومرايا محدبة، وألف وجه ووجه لكل وجه، فنسأل الذات: هل نبحث عن حقيقة في هذا الضباب، في هذا المدى، بينما ما يبدو نهاراً، هو سدى بعد مدى، فالنهار في بلادنا يد تتساند على جدار الليل، وخطوة إلى الأمام وألف خطوة إلى الظلام، وأرجوكم أخبروه: لا شيء في النهار يخيفنا أكثر من أنه يبدو متعرياً ليوهم بالحقيقة، وفي عمق عمقه يعيش الظلام!.
أخبروه: نحن في كل يوم، سوق كبيرة تعج بالبشر، مجرد وشوم لملامح بشرية، تراقب النار تتآكل أسياخ الشاورما، فنتذكر بفزع كيف راقبنا النار، وهي تلتهم جسد الوطن!؟ وكيف صارت دماؤنا، ماء يراق كل يوم في الأخبار، بينما واجهات المحلات تطرد ظلالنا المصابة بسوء التغذية، وتبيع لمن باعونا، طعام، ثياب، حلي، ووعود بأن من يملك المال، يملك المغفرة، فنراهن من خلف الواجهات الملونة على مذبحة أخرى، تزين لحومنا صحونها، لكن تحت عناوين جديدة، فالسوق بات وطن!؟
أخبروه: أننا نخسر قلوبنا في كل خطوة، ونداري الخسارة بالنهار، والمشكلة أن نهاراتنا تعلم قلوبنا الطأطأة، فتجعل العمر يبدو هباءً، والصبر غباءً، وابتسامات الضحى صدأ على الشفاه؟ فماذا نفعل، وقد غمر غبار السجال عمن فينا كافر ومن فينا رسول، النقوش والصور، ورسم الغد خطوطاً متعرجة، يدير لنا كتفيه مستهزئاً: تستقبلون الغد بجثث من ألف عام وعام!؟ فتنتابنا البلاهة: ماذا يفعل المغبونون، المغلوبون مثلنا، حين يوليهم الغد الظهرَ، وهم أصلاً بلا ظهر!؟
أخبروه: أننا شعب يحب الفرح، وأننا لطالما تهنا عن الطريق، لكننا سرعان ما كنا نعود للطريق، وأن في داخلنا شوق كبير لأن نعيش مثل كل بشر، ليس أقل ولا أكثر، فقط نريد الأمان، ولوازم الأمان، كهرباء، وماء، ودفء، وغذاء، وبضعة أحلام نقتات عليها لباقي الأيام، ونورثها للأحفاد باعتبارها أحلام لم يسعفنا الزمان لجعلها وقائع موثقة بصور.
أخبروه: أننا منذ عقد، نتتبع الشواهد البيضاء المكللة بشقائق النعمان نقدم إليها زكاتنا، ونسرع الخطى خلف الجند، لأننا نظن وظننا يقين، أن خلف خطاهم وحدهم يمكن لنا أن نلملم خلافاتنا، انكساراتنا، انحناءاتنا، ويمكن أن يولد النهار الذي إليه ننتمي، حيث الرب في عالي سماه يقول لنا: أنا في كل ذرة تراب تحافظون عليها، في كل رصاصة حق تطلقونها، أنا في القلوب وصدق النوايا، ولست في الورق، فتبارك الرب الذي في السماء، وتبارك الوطن، وإليهما وحدهما في كل عام.. ننتمي.