روسيا ..والاستراتيجية الأمريكية
محمد كنايسي
حتى الآن لم يتضح الموقف الروسي تماما من إدارة بايدن القادمة ، لكن قراءة بعض المؤشرات والتصريحات الروسية في هذا المجال تفيد بأن روسيا تعرف حجم العداء الذي تكنه الدولة العميقة في أمريكا لها ، ولا تستبعد ، بناء على ذلك ، لجوء الإدارة الجديدة إلى زيادة توتير العلاقات بين البلدين، كما أنها لا تخفي استعدادها وقدرتها على التصدي لأي استفزاز عسكري أمريكي ، ويحمل تأكيد الرئيس الروسي على أن روسيا لا تتفوق على الولايات المتحدة فقط بالأسلحة التي تفوق سرعة الصوت دلالة واضحة في هذا السياق.
ومن المؤكد، في ظل القدرات العسكرية النوعية التي تمتلكها روسيا اليوم ، أن الرهان الأمريكي على تطويع موسكو من خلال استهداف أمنها الداخلي وتشديد العقوبات عليها ليس رهانا واقعيا ، ويظهر عجزا أمريكيا مشوبا بعقلية استعلائية واستهتارية أيضا في قراءة الواقع الروسي ، فكيف إذا أضفنا إلى ذلك أن الاستراتيجية الأمريكية معنية الآن أكثر بالتصدي لما يشكله العملاق الصيني من خطر كبير على هيمنة الولايات المتحدة على العالم ، وكيف إذا وجدت إدارة بايدن نفسها في مواجهة تحالف روسي- صيني يبدو أنه آخذ بالتكون والتعزز ..؟
لا تستطيع واشنطن في ظل حكم الإدارة الجديدة التي ستشهد عودة تأثير الدولة العميقة القوي بعد محاولة النهج الترامبي خلال السنوات الأربع الماضية تحجيمه وإضعافه ، أن تقبل بالهزيمة ، ولا حتى بالشراكة الدولية الندية ، فمازالت الإستراتيجية الأمريكية رغم كل المتغيرات الدولية والإقليمية التي لم تعد تسمح باستمرار نظام القطب الواحد ، تفترض أن أمريكا ما زالت قادرة على تأديب الخصوم ، وإخضاعهم لمشيئتها، والاستمرار في الهيمنة على العالم . لكن هذه الإستراتيجية العدوانية المتضخمة لا تفسرها القدرات الكبيرة التي تمتلكها الولايات المتحدة في مختلف المجالات ، فهذا الامتياز لم يعد حكرا عليها فقط ، بقدر ما يفسره إصرار النخب الأمريكية على عدم التسليم بأن عصر الهيمنة الأمريكية قد دخل طور الأفول ، ولم يعد ممكنا تجاهل ذلك إلا من باب الاستخفاف وإنكار الواقع . ولهذا فإن اصطدام هذه الإستراتيجية بالواقع أمر حتمي يفترض أن يؤدي إلى تفكير أمريكي استراتيجي جديد يستطيع إخراج أمريكا من مآزقها ، وحل الملفات التي تؤرقها بما يحفظ لها ما أمكن من المكاسب وماء الوجه ..
وفيما يتعلق بسورية واستمرار السياسة العدوانية الأمريكية ، ولاسيما دعم الإرهاب و الحرب الاقتصادية ، لا بد من ملاحظة أن ما يمارسه الإعلام الأمريكي من كذب وتضليل كبيرين لم يعد قادرا على طمس حقيقة ما يجري ، ومنع وسائل الإعلام الغربية من التمرد وقول الحقيقة التي تفيد بأن سورية هدف لمخطط أمريكي يقوم على دعم الإرهاب ، وتلفيق تهمة استخدام السلاح الكيميائي للجيش و تشديد العقوبات الاقتصادية ..
ومن هنا فإن إدارة بايدن ستجد نفسها مضطرة ، وفي ظل ما يثقل كاهلها من مشكلات التركة الترامبية والاستنزاف الذي تتعرض له في غير منطقة ، للاعتراف بأن مخططها قد فشل وأن هزيمتها مسألة وقت . ولذا فليس مستبعدا أن يكون اللجوء إلى القناة الدبلوماسية الروسية أحد خياراتها المفضلة للخروج من المأزق السوري لا سيما وأن حسم الكثير من الملفات الدولية والإقليمية يبدو متوقفا على التفاهم الدبلوماسي بين البلدين الخصمين .