في ذكرى شهيد محور المقاومة قاسم سليماني
علي اليوسف
“الدفاع المقدّس” عنوان عمل الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، كيف لا وهو الذي آمن بضرورة مقاومة العدو لإحقاق الحقّ وإزهاق الباطل، حتى باتت المقاومة حكماً مقدساً، ووسيلة للحفاظ على العزة، والكرامة، والسيادة.
منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عمدت أجهزة الاستخبارات الأمريكية إلى خلق مناخ عامٍ من التهديد والتخويف والترهيب، من خلال الاستخدام المادي للعنف ضد الأفراد والممتلكات بما يحقّق أهدافاً استراتيجية لمرتكبيه.
ومع عام 2011 -التاريخ المشؤوم للحرب الإرهابية الكونية على سورية- ارتفعت نسبة الإرهاب بتزايد الجماعات التكفيرية وتوسع انتشارها، حيث مارست هذه الجماعات عملياتها المنظمة ضد سورية والعراق، وذلك في ظلّ دعم الكثير من الأنظمة العربية والدول الغربية، حتى باتت القوة التدميرية للإرهاب تزداد يوماً بعد يوم بسبب التطور السريع في أشكال وأساليب ممارسة الإرهاب، ومن هنا أصبح الإرهاب يشكّل خطراً محدقاً على الأمن القومي للدول المستقلّة في منطقتنا.
لذلك كانت الحرب على الإرهاب مشروعة، وكان الشهيد سليماني أيقونة في مقاومة الظلم والجريمة والإرهاب. لقد كانت له رؤية خاصة عبّر عنها بالفعل من خلال محاربة الغزاة المحتلين الصهاينة والأمريكان وحلفائهم الذين كان هدفهم نهب الثروات، وتدمير البلاد، وتغيير أنظمة الحكم فيها.
كان قاسم سليماني العقل المدبّر للحرب على الإرهاب. وفي مرحلة من حياته تحوّل الجنرال الشهيد إلى العلن، وتحديداً بعد اتفاق جنيف بشأن برنامج إيران النووي من خلال كلمة له حين حذّر الولايات المتحدة الأمريكية من حرب قد يبدأها العدو لكن من سينهيها الحرس الثوري، وأن حساب واشنطن لن يكون مع طهران إنما مع فيلق القدس في حال منعت أمريكا تصدير النفط الإيراني.
كان من أهم الإنجازات العسكرية الإستراتيجية التي حقّقها الشهيد سليماني، حماية مدينة كركوك وتسليمها للجيش العراقي، كما ناضل إلى جانب سورية ولبنان في مواجهة الإرهاب والطغيان الأمريكي ومشروعه الإجرامي، وكان له دور في مساندة الجيش العربي السوري خلال طرد إرهابيي “داعش” من دير الزور.
أما من سماته فهي قدرته الفائقة على التخفي، والغموض الذي لا يستطيع أحد كشفه. لم يلجأ للتصريحات الإعلامية، لهذا منحه غموضه وقوته وشجاعته هالة من العظمة والشخصية الخارقة التي أثارت الاستخبارات العالمية. كان دائماً يتقدّم الجنود في المعارك على الخطوط الأولى، وكان يعشق الشهادة كما يحبّ الحياة، وهو الأمر الذي كان يُقرأ بابتسامته التي تحمل أسراراً لم تتكشف بعد.
ساهم في القضاء على تنظيم “داعش”، وأسقط مخطّطات أمريكا الخبيثة وأفشلها. ومنذ بداية الحرب الكونيّة على سورية كان الشهيد رائداً في الجهاد المقدّس، كان يعرف أن سورية – لو سقطت – فإن قلب المحور المقاوم سيتوقف.
برز سليماني، خلال السنوات الأخيرة من حياة كاملة قضاها في الظل، وهو يقود عمليات سرية ليحصد شهرة وشعبية كبيرة في إيران، ويصبح مادة للأفلام الوثائقية والتقارير الإخبارية. لقد وصفه الإمام الخامنئي بأنه واحد من أذكى عشرة جنرالات في صناعة الثورة الإسلامية، وعلى رأس الملفات التي سلّمها الإمام لرجل المهمّات الصعبة اللواء قاسم سليماني، هي العراق وسورية.
وبحسب صحيفة “واشنطن بوست” فإن سليماني كان “الرجل الأذكى في صناعة الاستراتيجيات العسكرية الخارجية الإيرانية، وبأنه يستمع كثيراً ويتكلّم قليلاً خلال الاجتماعات الأمنية. وبحسب “الغارديان” البريطانية فهو من أخطر العسكريين في العالم.
جاء اغتيال سليماني في الثالث من كانون الثاني 2020 بتوجيه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد تصعيد حادٍ بين الولايات المتحدة وإيران منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وإعادة فرض عقوبات على إيران. وقد اغتيل في هجوم جويّ حينما كان مسافراً في قافلة مكوّنة من سيارتين، خارج مطار بغداد، مع آخرين، بينهم نائب قائد الحشد الشعبي في العراق، أبو مهدي المهندس.
كان اغتيال الجنرال سليماني باستخدام طائرات مسيّرة عملاً “غير قانوني”، وهو ما أكدته المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة أغنيس كالامارد، المعنية بالإعدامات خارج نطاق القضاء، حين أشارت إلى أن الولايات المتحدة لم تقدّم أدلة على أن التخطيط كان جارياً لاعتداء وشيك على مصالحها، الذي استخدمته واشنطن مبرراً لاغتيال سليماني. ما يعني، حسب الخبيرة الأممية، أن استهداف الجنرال سليماني ومقتل مرافقيه يعدّ عملية قتل تعسفية تتحمّل الولايات المتحدة مسؤوليتها بموجب قانون حقوق الإنسان الدولي، وأن الضربة شكّلت انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة نظراً لغياب أي تهديد فعليّ لحياة أشخاص.
يمثّل اغتيال الجنرال سليماني تصعيداً كبيراً في الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، وهذه السلسلة من الإجراءات والأفعال قد يترتب عليها تبعات خطيرة بين البلدين. حتى أن منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط والخليج في إدارة أوباما، فيليب جوردون، وصف عملية الاغتيال بأنها “إعلان حرب” على إيران من جانب الأمريكيين.
لهذا لا يظنّن أحد أنه باغتيال سليماني، الذي أوجع الأمريكي والإرهاب والكيان الصهيوني، ستنتهي المقاومة، فمحور المقاومة أكثر عزماً على مواصلة الوقوف في وجه السياسة الأمريكية التخريبية في المنطقة، ومحاربة الإرهاب حتى اجتثاثه من جذوره. ولا شك أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تنزلق إلى شباك العدو، وهي تعرف كيف تنتقم لشهدائها وعلمائها، وهي وحدها من سيضبط الإيقاع وليس العدو.