دراساتصحيفة البعث

الامبريالية الأميركية والحرب في أوكرانيا

د. رحيم الشمخي

كاتب عراقي

شكلت الحرب الروسية- الأوكرانية صدمة خارجية عنيفة جداً للنظام العالمي الليبرالي الجديد الذي يقوم على العولمة الليبرالية الأمريكية المتوحشة، والتي اعتقدت أنها حققت انتصاراً كاسحاً ونهائياً على الماركسية والاشتراكية في نهاية عقد الثمانينيات من القرن العشرين، إذ وقعت العولمة الليبرالية هي الأخرى في فخ لاهوت الخلاص وميكانيزماته الذي وقعت فيه الماركسية حين طرحت نفسها على أنها أيديولوجية خلاص البشرية.

فالمعتقد الماركسي يقول إن المحرك الرئيسي لهذا الخلاص ليس الشعب، وإنما طبقة البروليتاريا، أخص منتجات الصناعة الرأسمالية، التي يجب أن تتحد في الكون كله من أجل تحقيق سعادة البشرية وإيصالها إلى “أرض الميعاد”  أي الشيوعية، حيث الرفاه والمساواة للجميع.

والعولمة الليبرالية الأمريكية المتوحشة، أو ما يطلق عليها علماء الاقتصاد النيوليبرالية أو الليبرالية الجديدة، تقول الشيء ذاته معكوساً، حيث لم تعد البروليتاريا هي منقذة البشرية بل الشركات المتعدّدة الجنسية ورجال الأعمال  والبيزنس، والمؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمنظمة العالمية للتجارة، التي باتت حارس المعبد، ومديروها الرهبان الكبار، وأنبياء البشرية الجدد.

يتساءل معظم المحلّلين الأكاديميين في مجال الاقتصاد عن الأسباب الحقيقية التي تقود إلى الحرب، وهل تكفي الأسباب الاقتصادية وحدها لإشعال فتيل الحرب؟. في الحرب العالمية الأولى 1914-1918، التي عرّفها لينين بأنها حرب بين البلدان الرأسمالية الغربية من أجل إعادة اقتسام العالم بين الرأسماليين على أساس قوة وحجم رؤوس الأموال المستثمرة. وتعدّ الحرب العالمية الأولى بمنزلة حرب إمبريالية، ولاسيما أن الإمبريالية معرفة من قبل لينين هي المرحلة الاحتكارية من الرأسمالية. وكذلك: “إن الإمبريالية هي الرأسمالية التي وصلت إلى مرحلة متطورة تتأكد فيها سيطرة الاحتكارات ورأس المال المالي، وفيها يكتسب تصدير رؤوس الأموال أهمية من الدرجة  الأولى، ويبدأ اقتسام العالم بين التروستات الدولية، وينجز اقتسام كافة أقاليم الكرة الأرضية بين أكبر البلدان الرأسمالية”.

لقد شكلت الحرب العالمية الأولى نهاية العصر العظيم الأول للعولمة في مرحلة الرأسمالية التنافسية، الذي بدأ في ستينيات القرن التاسع عشر وامتد لغاية 1913، وكانت القوة الدولية القائدة لهذا العصر الأول من العولمة الليبرالية في مرحلة الرأسمالية التنافسية والتجارية هي بريطانيا العظمى.

يعتبر الاقتصادي الروسي نيكولاي كوندراسياف الذي مات إبان مرحلة القمع الستالينية، هو أول من ربط بين اندلاع الحروب والدورات الطويلة للاقتصاد، عندما أشار إلى وجود موجات طويلة تمتد إلى خمسين سنة مشتركة لمجمل البلدان الرأسمالية الأوروبية. وكانت تتناوب في هذه الموجات أطوار من التوسع الاقتصادي، وأخرى من الانكماش تمتد لمدة خمس وعشرين سنة لكل واحد منها.

وقدّم مؤرخون أمثال أرنولد طونبي، واقتصاديون أمثال جوزيف شومبيتر، إسهاماتهم النظرية في موضوع العلاقة بين الدورات الاقتصادية والحرب. غير أن الإسهام النظري الحديث كان قد قدّمه الاقتصادي الأمريكي جوشيا غولدشتاين في كتابه “الدورات الطويلة، حرب وازدهار في العصر الحديث”، حيث ركز على العناصر التالية:

– إن الدورات الاقتصادية هي حقيقة ملازمة للاقتصاد الرأسمالي الغربي منذ القرن الخامس عشر.

– إن أطوار التوسّع الاقتصادي للموجات التي نظر لها كوندراسياف لا تكشف لنا الحروب أكثر من أطوار الكساد.