زواياصحيفة البعث

سورية ستبقى الدولة المحورية

علي اليوسف

هذه هي نهاية السنة العاشرة من الحرب الإرهابية على سورية، وهي الحرب الأكثر مأساوية، وكشفت المعايير العالمية المزدوجة، وانهيار النظام الدولي القائم على الأمم المتحدة ومؤسّسات بريتون وودز، حتى باتت القيم الدولية الأساسية التي عزّزها هذا النظام مهدورة، ومن بينها السيادة وعدم التدخّل في حق الناس باختيار حكوماتهم، وبالتالي كشفت عجز مجلس الأمن الدولي عن تنفيذ قراراته.

منذ عام 2011 تدخلت القوى الاستعمارية ودعمت الإرهاب على الأرض السورية، بشكل مباشر أم غير مياشر، وهو ما شكّل أكثر حالة مثيرة للاهتمام لجهة تجاهلها القواعد الأساسية للأمم المتحدة القاضية بعدم التدخل واحترام السيادة، حتى بات أول ما يتبادر للذهن في كلّ مرة يُطرح فيه الملف السوري في مجلس الأمن، هو الآثار العالمية من هذا الصراع على النظام الدولي الذي تمّ إنشاؤه بعد الحرب العالمية الثانية.

لكن لماذا كل هذا التكالب على سورية؟. في الواقع رعت سورية ثلاثة أديان: اليهودية والمسيحية والإسلام، كما أنها كانت ملتقى حضارياً لثقافات العالم القديم، ثم إن سورية نفسها بلد الأقليات، إنها فسيفساء عرقي وثقافي وديني، وتحتوي مجتمعات متميزة اجتهدت جميعها لخلق نوع من العلمانية والتسامح، وهو ما لا نراه في أي مكان من العالم العربي.

كما أن سورية تاريخياً كانت دائماً الأرض التي توفر ساحة المعركة لمختلف أنواع الحروب والصراعات من الحروب الصليبية حتى اليوم، لكن الحرب الأخيرة على سورية كانت الصراعات فيها واضحة، أي أن كلّ من دخلها كان يسعى لتحقيق أهدافه الخاصة وأجنداته السياسية، وخاصةً الكيان الإسرائيلي، والولايات المتحدة، والنظام التركي، أما الملفت للنظر فهو أن كلّ هذه الأجندات التقت في الوقت نفسه، ولكن رغم هذا الوضع الجنوني والدعم الغربي والعربي اللامحدود للإرهاب استطاعت سورية تطهير أغلب أراضيها من الإرهاب، ولا تزال المعركة مرتقبة لاستعادة محافظة إدلب، بعد أن تراجع النظام  التركي عن التزاماته بعزل الجماعات الإرهابية، واستعادة الجزيرة السورية من الاحتلال الأمريكي، وكل شبر من التراب السوري.

ما يجري في سورية هو نوع جديد من الحروب العالمية، حيث كل القوى العالمية الكبرى والتيارات الدينية المختلفة موجودة في ساحة المعركة، والجزء الأكثر أهمية من كل شيء هو بعد التدخل الأجنبي. فمع بداية الحرب على سورية، رسم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عدداً من الخطوط الحمراء لم يلتزم بها، وتبعه دونالد ترامب. في المقابل، كان دور روسيا حاسماً في الوضع السوري برمته، فهي دخلت في عام 2015، بطلب رسمي من الدولة السورية، لتقديم الدعم للحليف القديم، ومنع تقسيمه وسلب ثرواته، وكان دور الرئيس بوتين في ذلك استثنائياً للغاية، وخاصةً في تحريك عملية أستانا ودفعها إلى الأمام.

صحيح أن حدّة الصراع انخفضت بشكل كبير، إلا أن صفيح النار لا يزال قابلاً للاشتعال بسبب الاحتلال التركي الفعلي لـ إدلب وشمال حلب، وأجزاء من الجزيرة السورية، وبسبب الاحتلال الأمريكي أيضاً لجزء من الأراضي السورية. وحتى الآن لا توجد إجابة واضحة على كيف ومتى سيتمّ تسوية الوجود الأمريكي والتركي، إلا أن الجميع بانتظار الإدارة الأمريكية الجديدة التي على ما يبدو أن لديها نهجاً مختلفاً عن الإدارة السابقة، وبالتالي ما قد يؤثر في الغالب بشكل كبير في ديناميات الصراع على سورية، أو الانتقال إلى مرحلة الحسم العسكري الذي بدت ملامحه تتضح من الآن لتحرير باقي الأراضي السورية.