حقل من الألغام الداخلية بانتظار إدارة الديمقراطيين
محمد نادر العمري
لا يبدو أن الإدارة الأمريكية المقبلة برئاسة جو بايدن ستكون في أفضل حالاتها أو في حالة حسد لسلطتها، مع الإرث الكبير من الألغام القابلة للتفجّر التي سيتركها الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، لأن هذه الألغام لا يمكن تجميلها أو التغافل عنها، فهي تحتاج إلى معالجة سريعة كي لا تحوّل أجزاء من الجغرافية الأمريكية إلى رماد وركام من جانب، ولكي لا تدفع بعض الولايات نحو المطالبة بالخروج من الفيدرالية من جانب آخر.
تُظهر المؤشرات والوقائع أن الملفات والتحديات الداخلية أكبر بكثير مما يتداول من تصريحات، والتوقعات حول كيفيّة تعاطي الديمقراطيين معها حتى الآن كبيرة ولكن من الناحية الإعلامية فقط، لأن هذه الوقائع قد تشكل بحدّ ذاتها أحد أهم الألغام، فمن يعتبر من النخب السياسية بأن خسارة ترامب للانتخابات ستشكّل بداية حقبة انتهاء الأزمات وستزيل تراكم آثار السياسات للسنوات الأربع الماضية فهو مخطئ، لذلك على الإدارة الجديدة أولاً أن تكون أقرب للواقعية وأن تبتعد عن البالونات الإعلامية لكي تكسب ثقة الشعب بنظامها السياسي، ولاسيما أنه حتى قبل أيام من تسلّم وتسليم السلطة بين الإدارتين في أميركا والمقررة في 20 كانون الثاني 2021، ستكون استثنائية وربما تشهد سيناريوهات دراماتيكية في أقل درجاتها تغيّب ترامب عن المراسم البروتوكولية والتي ستشكل استكمالاً لمسار الاحتقان والتصدع الداخلي، واحتمال تفجر الأوضاع الصدامية، وخاصةً بعد دعوات ترامب لمناصريه قبل أيام من موعد التسليم للتجمهر أمام البيت الأبيض والخروج للشوارع.
وعلى الرغم من عدم جدوى معظم الدعوات القضائية التي رفعها ترامب حتى الآن للتشكيك في نزاهة الانتخابات، يكمن تحدي بايدن في الحفاظ على وحدة أمريكا وعلى النسيج الاجتماعي كأهم الألغام قبل استلامه لمنصبه. وإذا كانت المناورات القانونية لـ ترامب، غير مأمول منها تغيير النتيجة الانتخابية، إلا أنها قد تؤدي إلى تأجيج الغضب وعدم الاستقرار، وزيادة حدة الانقسام في المجتمع الأمريكي، لذلك تعهّد بايدن في خطاب النصر بأن يكون رئيساً يوحّد الأمريكيين في محاولة منه لعدم إعطاء فرصة لحملة ترامب لاستغلال الوضع الهش داخلياً، هذا إن لم يقدم ترامب على مغامرة أو تهور على أحد المستويين الداخلي أو الخارجي لفرض الأحكام العرفية، وتهديم زيف صورة الممارسات الديمقراطية. لذلك فإنه من المرجح أن تكون استعادة التجانس الأمريكي وتخفيف حدة مؤشرات الاستفزاز، أولوية الأولويات للإدارة الجديدة في البيت الأبيض.
أما باقي التحديات العاجلة فهي تتمثّل في قدرة بايدن وفريق إدارته على وضع إستراتيجية ملحة لمكافحة كورونا بعدما فشل ترامب في مواجهتها والاستخفاف بها بوصفه لها بأنها “فيروس صيني”، إذ قال بايدن إن عمله يبدأ بـ”السيطرة على انتشار كوفيد– 19، وأنه لن يدخر جهداً من أجل احتواء هذه الجائحة”، وبدأ بتعيين مجموعة من العلماء للعمل كمستشارين انتقاليين لتنفيذ خطته الخاصة بالمواجهة. وأهم معالم تلك الخطة وضع إستراتيجية وطنية للمضي قدماً في مجابهة الجائحة ونسخها المتطورة من خلال سنّ قانون رئيسي في الكونغرس لتمويل حملة اختبار وطنية وصناعة منتجات ومعدات طبية في الولايات المتحدة، وجعل وضع الكمامات إجبارياً في المباني الفيدرالية، وفي وسائط النقل بين الولايات، وتوفير لقاح مجانيّ للجميع في المستقبل رغم الآثار السلبية التي يتركها علاجا شركتي “موديرنا وفايزر”. والأهم من ذلك كله، يعتزم بايدن إلغاء إجراءات انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية التي أمر بها دونالد ترامب مؤخراً.
يتمثّل التحدي الآخر في تحسين مسار الاقتصاد الأمريكي والعمل على إنعاشه، إذ يتعيّن على بايدن أن يكون مستعداً للعمل مع الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، من أجل تمرير مشروع قانون من شأنه أن يعمل على تقديم الدعم لحكومات الولايات والمدن المتعثرة، وعلى تقديم إعانات البطالة التكميلية بصورة حكيمة، إضافة إلى تقديم إعفاء ضريبي إضافي موجّه للعمال من ذوي الأجور المنخفضة. وكان بايدن قد تعهّد بالاستثمار بكثافة في مجال الطاقة المتجدّدة، ويريد أيضاً إعادة استثمار عائدات الضرائب في البرامج الاجتماعية والتعليم وتحديث البنى التحتية.
كما يمثل قانون الحظر أو مرسوم الهجرة الذي أصدره ترامب سابقاً أحد أهم الملفات والتحديات التي تواجه الرئيس المنتخب، فقد وعد جو بايدن بإلغائه من اليوم الأول لولايته، والذي يحظر دخول مواطني عدة دول، وسيطلب من الكونغرس تمرير قانون ضد الجرائم العنصرية. وتعدّ إجراءات احتجاز طالبي اللجوء وفصل عائلات مهاجرين غير شرعيين على الحدود الأمريكية– المكسيكية، من أهم الملفات والتحديات المطروحة أمام بايدن، والذي يرغب في تمرير قانون يعتبره مراقبون أنه سيضع خريطة طريق للمواطنة لـ 11 مليون مهاجر غير شرعي يعيشون في الولايات المتحدة، ولما يقرب من 700 ألف شاب وصلوا بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة عندما كانوا أطفالاً.
الجميع يترقب بحذر فترة تولي بايدن إدارة البيت الأبيض، ليس فقط على صعيد الداخل الأمريكي بل على المستوى الدولي، نظراً للتداعيات التي قد تنجم عن معالجة التحديات الداخلية والتي بلا شك ستؤثر على تحديد معايير السياسة الخارجية وعلاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع باقي الدول، لذلك فإن خروج ترامب من البيت الأبيض لن يعني بأن خطره توقف بل على العكس، هناك ما ينبئ بفترة متأزمة على الصعيد الداخلي الأمريكي، وخاصة أن ترامب سيتوجّه نحو تحوله لثقل ضاغط على بايدن، سواء من خلال سعيه لامتلاك مؤسسة إعلامية أو ما أظهره من قدرة على جمع الأموال لحملته الانتخابية والدعاوى القضائية، ووصول عدد ناخبيه إلى أكثر من 70 مليون ناخب يعبّرون عن توجهاته التطرفية!.