قانون غير قابل للتطبيق وبيئة اقتصادية غير مشجعة.. التشاركية “مكانك راوح” ومشاريع لم تتجاوز مرحلة الدراسة
يبدو أن التشاركية مازالت قاصرة كما قانونها، دون القدرة على تحقيق أية خطوة للأمام منذ أربع سنوات وحتى اليوم، رغم أنها حاجة ملحّة في الظرف الحالي، فمنذ إصدار قانون التشاركية وتعليماته التنفيذية في 2016 لم يتجرأ أحد على المبادرة بعد، ومازال الحديث تحت عنوان عروض وتبادل آراء مع هذا الطرف وذاك، وإن كان للقطاع الخاص سمعة “الجبان” طيلة السنوات الماضية، لا يبدو أن العائق يقتصر عليه هنا، فما إن صدر القانون حتى نُشرت بعده عشرات الدراسات والأبحاث العلمية التي فنّدت جميع ثغراته ودعت إلى تعديله، إن كان هناك جدية في الاستفادة منه، إذ أنه على هيئته الحالية غير قادر -برأي الباحثين- على أن يشكّل القاعدة المتينة المفترضة لهذا النوع من المشاريع.
دون اختلاف
يكاد لا يخلو لقاء أو اجتماع في أي قطاع من الحديث عن التشاركية بين العام والخاص على أنها الحلّ الوحيد للوضع الاقتصادي الحالي، حتى أنها تكاد تصبح عنواناً للمرحلة لكثرة الحديث عنها، إلا أنه على أرض الواقع لم يختلف شيء بين قبل إصدار القانون وما بعده، فالوزارات وبناءً على طلب مجلس التشاركية أعدّت دراساتها ومقترحاتها والجدوى الاقتصادية لعدد من المشروعات المقترحة، وبدوره المجلس أعلن عن عدد من المشاريع المطروحة للتشاركية مع القطاع الخاص في الكهرباء والصناعة والزراعة، واقتصر الأمر عند هذا الحدّ، ورغم محاولتنا طيلة الشهر الفائت التواصل مع هيئة التخطيط والتعاون الدولي ومكتب التشاركية فيها للحصول على معلومات حول المشاريع المعتمدة وأسباب اختيارها والعروض المقدّمة وإجراءات جذب الخاص للمبادرة، إلا أننا لم نلقَ رداً حتى الآن.
لماذا الربحية؟
اتفقت أغلب الدراسات والأبحاث المنشورة على أن الهدف من إصدار القانون كان في الدرجة الأولى الاستفادة من تمويل ومرونة وخبرات القطاع الخاص في إعادة إعمار البنى التحتية والمرافق العامة بشكل أساسي في ظل كلّ المعوقات الاقتصادية الحالية، إلا أن عدداً من الخبراء استنكروا السماح بطرح المشاريع الربحية والإنتاجية للتشاركية، مطالبين بتعديل القانون وحصرها بالبنى التحتية فقط، فضلاً عن ملاحظات عديدة قُدّمت حول القصور حتى الآن بتدريب كوادر القطاع العام لإدارة عقود التشاركية ومراقبة تنفيذها.
ليست ملجأ
كثيراً ما تشدّد الحكومة في اجتماعاتها على طرح المشاريع المتوقفة للتشاركية، كما كان وزير الصناعة صرح مؤخراً بوجود عروض تشاركية مقدّمة للوزارة من قبل القطاع الخاص، واصفاً إياها بالمجدية اقتصادياً، ولاسيما أن الوزارة غير قادرة على النهوض بكامل منشآتها المدمرة، غير أن آراء أخرى استنكرت حصر مفهوم التشاركية في هذا النطاق الضيق فقط، واعتبارها ملجأً للمشاريع المتعثرة، ولاسيما أنها لا تملك أي عامل جذب، معتبرين أن مفهوم التشاركية لا يزال غير واضح حتى في كبرى المؤسسات، فالبعض يراها كالقطاع المشترك والبعض يراها خصخصة وآخرون يعتبرونها تقسيماً للعمل بين العام والخاص!.
منفصل عن الواقع
الخبير الاقتصادي د. عمار يوسف اعتبر أن قانون التشاركية في المرحلة الحالية التي تشهد انهيارات اقتصادية وعدم ثبات سعر العملة وعدم وجود قطع أجنبي لا يمكن تطبيقه بأي شكل، وفي حال تمّ التطبيق، فستكون الدولة هي الخاسر الأساسي، مضيفاً أن أغلب المشاريع المقترحة للتشاركية هي للشركات المدمّرة في القطاع العام، وليس فيها ما يجذب المستثمرين وخاصة الأجانب منهم.
وبيّن يوسف أن القانون في الأساس منفصل عن الواقع، وخاصة في هذه المرحلة، فلا يوجد أي عامل جذب، إضافة إلى أن للحكومة تعقيدات كثيرة في هذا القانون، فبدل أن تكون الراغب الأكبر في التشاركية، فإنها تضع عراقيل وشروطاً غير منطقية، لتصبح كمن يتفضّل على المستثمرين في السماح لهم بالاستثمار دون أن تخسر أياً من ميزاتها، وهذا أمر غير منطقي، لأن القطاع الخاص في النهاية جلّ اهتمامه هو الربح، مؤكداً أن القانون ولد ميتاً وغير قابل للتطبيق بدليل عدم تقدم أحد للاستفادة منه.
ذريعة خصخصة
وحول المناخ الاقتصادي لتطبيق القانون، أوضح يوسف أنه لا النظام الضريبي ولا قانون الاستثمار ولا النظام المالي ولا المصرفي ولا أيّ نوع من الأنظمة الاقتصادية تشجّع على التشاركية حالياً، معاوداً الإشارة إلى الخشية من تعديل معيّن أو إيجاد قطبة مخفية في القانون تتحوّل إلى ذريعة لبيع القطاع العام للخاص، ليتحوّل من تشاركية إلى ملكية خاصة كما حدث في بعض تجارب مصر، علماً أن القطاع العام هو الأهم في سورية، ولو تمّ استثماره بالطريقة الصحيحة لقاد الاقتصاد بشكل كامل، لكن عملية تدميره بدأت من قبل الحرب وأُفقد فعاليته وقدرته على المبادرة وتمّ تحويله إلى مستهلك.
وفي حين يعتبر البعض أن تعديل القانون وتفعيله بات حاجةً مستعجلة، ولاسيما في الظرف الحالي، رأى يوسف أن أيّ كلام عن محفزات وعوامل جذب غير مقبول في هذه الظروف، فقانون التشاركية لم يوجد لمثل هذه الظروف ولمرحلة حرب ودمار اقتصادي.
ريم ربيع