اقتحام الكابيتول تتويج لحملة طائشة قام بها ترامب
ترجمة: عائدة أسعد
عن توب نيوز
لم يسبق أن تم اقتحام مبنى الكابيتول في التاريخ الأمريكي الحديث من قبل المتظاهرين، هذا الأمر ليس مجرد ثغرة ألقت باللوم على ضعف الحراسة رغم التحذيرات، لكنه يمثّل ضربة موجعة للديمقراطية في أمريكا، لم تكن العملية مفاجئة، فالتحريض الذي قام به الرئيس المنتهية ولايته على التظاهر منذ تأكيد هزيمته أمام بايدن، كان ينبئ بأن الولايات الأمريكية ستكون على صفيح ساخن إلى حين تسلّم جو بايدن مهامه.
ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، تعود جذور مظاهرات اقتحام الكونغرس إلى الحركات التي ظهرت على الأنترنت بعد يوم من ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية، ومنها مجموعة “أوقفوا السرقة” التي تم إنشاؤها يوم 4 تشرين الثاني 2020 للاحتجاج على النتائج الأولية، وأغلقها فيسبوك بسرعة بسبب نشرها معلومات مضللة، وتحريضها على العنف ونظريات المؤامرة، لكن عدداً من قيادييها نشطوا في الدعوة لمظاهرات يوم 6 كانون الثاني 2021.
وذكرت الصحيفة أن أحد أعضاء حركة “ريد ستايت سيكيشون” كتب على مجموعة في فيسبوك عشية يوم الهجوم على مقر الكونغرس: “إذا لم تكونوا مستعدين لاستخدام القوة لحماية الحضارة، فاستعدوا إذاً لقبول البربرية”، وعلى الفور قام فيسبوك بوقف جميع حسابات ومجموعات هذه الحركة، وهو الأمر ذاته الذي نهجه تويتر، وتبيّن أن عدداً من أعضائها كانوا يشجعون على نشر العناوين البريدية لمن يسمونهم بـالأعداء، ومنهم قضاة وسياسيون.
وأشارت الصحيفة إلى أن تعليقات المنضوين تحت هذه المجموعة كانت تنشر صوراً للأسلحة التي يقولون إنهم سيستخدمونها في يوم الهجوم، كما كانت هناك تعليقات تؤكد نية عدد من أنصار ترامب باحتلال مبنى الكابيتول لأجل دفع الكونغرس إلى عدم التصديق على فوز بايدن بالرئاسة.
وينقل المصدر ذاته عن ريني ديريستا الباحثة في الحركات الرقمية قولها: إن الهجوم على الكابيتول كانت نتيجة حركات رقمية تعمل في فضاءات مغلقة بوسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنشط بقوة مزاعم تزوير الانتخابات، وما جرى هو إظهار للتأثير الحقيقي لما يعرف بـ “غرف الصدى”، وهو مفهوم يتعلّق بالفضاءات الرقمية المغلقة التي تجمع عدداً محدوداً من الناس لديهم الأفكار ذاتها.
كما ذكرت الواشنطن بوست في تقرير بتاريخ 31 كانون الأول 2020 أن معارضي ترامب والمتظاهرين ضد الفاشية طالبوا المسؤولين وأصحاب المال في واشنطن ببذل المزيد لأجل منع تقدم أنصار ترامب الذين انتهكوا الكثير من قيود كورونا، كما طالبوا بإغلاق الفنادق أمامهم، غير أن ذلك لم ينجح، إذ ذكرت الكثير من الفنادق أنها لم تعد تتوفر على أسرّة فارغة في ليالي المظاهرات، وهو أمر لم يكن معتاداً في هذه الفترة من العام.
ويذكر تقرير الواشنطن بوست أن هناك أربعة سباقات على الأقل نظمها أنصار ترامب للزحف إلى واشنطن ممن تزعمها هناك: جورج بابادوبولوس مستشار دونالد ترامب السابق في التحقيق بشأن تدخل روسيا في انتخابات 2016، وروجر ستون أحد المستشارين الأوفياء لترامب وحليفه التقليدي، هذه السباقات ركزت على هدفين: مقر الكابيتول، وساحة الحرية، لكن الأشهر بينها كان سباق “احموا أمريكا”.
لقد عجت التجمعات الرقمية التي نادت بالتظاهر بالتعليقات المحرضة على العنف، وتهريب الأسلحة إلى منطقة التظاهر، والدعوة إلى “مخيم مسلح”، وطالبت مجموعات متطرفة يمينية بالمشاركة في المظاهرات كحركة “الأولاد الفخورون”، ونشطت حركة “نساء من أجل أمريكا أولاً” اليمينية في الدعوات، وظهرت حركة “المظاهرة الجامحة”، ومجموعة “تحالف 80 بالمئة” التي طلبت ترخيصاً للمشاركة بحوالي 10 آلاف شخص.
منذ ساعات إعلان النتائج الجزئية وتقدم بايدن في عدد من الولايات وترامب يوزع الاتهامات بالتزوير والغش، مؤكداً رفضه الإقرار بالهزيمة قبل أن يشرع لاحقاً في تحريض أنصاره على التظاهر في يوم التصديق على النتائج، ومثال ذلك ما كتبه يوم 19 كانون الأول 2020 عندما غرّد على تويتر: “مظاهرات كبيرة في واشنطن يوم 6 كانون الثاني.. كونوا هناك، المظاهرات ستكون جامحة”، كان ترامب يذكّر بموعد المظاهرة.
وقبل اندلاع المظاهرات هاجم بقوة نائبه مايك بنس بعد رفض هذا الأخير نقض فوز جو بايدن، وكتب أنه “لا يملك الشجاعة لحماية البلد والدستور”، وهي التغريدة التي حذفها تويتر إلى جانب عدة تغريدات من ترامب اعتُبرت تحريضية، لكن ترامب لم يتوقف حتى وهو يرى المظاهرات في واشنطن، وأدلى بتصريحات جديدة قائلاً فيها: “لن نستسلم ولن نتنازل أبداً عندما يكون هناك موت.. لن نتركهم يُسكتون أصواتنا”، محاولاً الضغط على الكونغرس لوقف التصديق على النتائج، زاعماً أن لديه سنداً قانونياً بحدوث تزوير، رغم أن المحاكم الأمريكية التي رفعت أمامها قضايا تزوير لم تؤكد هذه المزاعم.
ورغم أن ترامب دعا أنصاره الغاضبين للعودة إلى منازلهم، إلا أنه لم يدن أحداث العنف، وهو ما أشارت إليه منظمة هيومن رايتس ووتش التي ذكرت أن محاولة احتلال مبنى الكابيتول هي “تتويج لحملة طائشة قام بها الرئيس ترامب وداعموه لتقويض العملية الديمقراطية وسيادة القانون منذ الهزيمة التي مني بها، ويجب محاسبتهم على هذا”.