دراساتصحيفة البعث

الاتحاد الأوروبي يحرق أصابعه

عائدة أسعد 

بعد أكثر من سبعة أشهر، توصل الأوروبيون إلى إدراك هو أنهم من يدفعون التكاليف، وأنهم ليسوا المستفيدين من الصراع في أوكرانيا، ففي حديثه أمام الجمعية الوطنية الفرنسية قال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لو مير: “لا ينبغي أن يؤدي الصراع المستمر في أوكرانيا إلى إضعاف أوروبا، وهيمنة الولايات المتحدة التي تبيع غازها الطبيعي المسال إلى أوروبا بسعر أعلى أربع مرات من تكلفته بالنسبة للمستهلكين الأمريكيين”.

جاءت تصريحات الوزير الفرنسي بعد أيام فقط من تعبير إيمانويل ماكرون عن استيائه من الغاز الطبيعي المسال الباهظ الثمن المستورد من الولايات المتحدة والنرويج، حيث أخبر ماكرون قمة الاتحاد الأوروبي غير الرسمية في براغ: “سنقول بود كبير تجاه أصدقائنا الأمريكيين وأصدقائنا النرويجيين، أنتم رائعون، أنتم تزودوننا بالغاز، ولكن هناك شيء واحد لا يمكن أن يستمر من أجله لفترة طويلة لدفع 4 أضعاف السعر. هذا ليس المعنى الدقيق للصداقة”.

إن أوروبا، مع اقتراب فصل الشتاء، تواجه أزمة غير مسبوقة، حيث ارتفعت أسعار الطاقة مقارنة بالمتوسط ​​في السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك أساساً إلى انقطاع الإمدادات نتيجة للصراع الروسي الأوكراني، فقبل بدء الصراع كانت روسيا توفر 25 في المائة من الطاقة التي تستهلكها الدول الأوروبية، بما في ذلك 45 في المائة من الغاز، وهو ما أشار إليه كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل حين قال: “إن رفاهية الاتحاد الأوروبي تعتمد على موارد الطاقة الرخيصة من روسيا”.

الآن بعد أن قطعت روسيا الإمدادات استجابة للعقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب عليها، اضطرت دول الاتحاد الأوروبي إلى اللجوء إلى الولايات المتحدة للحصول على إمدادات، حيث تضاعفت شحنات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2022 مقارنة بالعام الماضي.

ما تجدر الإشارة إليه أن السعر المرتفع الذي يتعين على الدول الأوروبية دفعه مقابل الغاز قد وجه ضربة قوية لاقتصاد الاتحاد الأوروبي، وتوقع كل من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي حدوث ركود واسع النطاق في الاقتصادات الأوروبية.

إن أزمة الطاقة في الدول الأوروبية مفيدة للغاية للاقتصاد الأمريكي كما قالت صحيفة “وول ستريت جورنال”، فأسعار الغاز المرتفعة تجبر الشركات الأوروبية على نقل إنتاجها إلى الولايات المتحدة، التي تستفيد من هذا الاتجاه.

لقد اعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن أن إعادة بناء التحالفات مع الحلفاء الأوروبيين، وتعزيز روابطهم السياسية والاقتصادية على رأس أولوياته، لكن بات من الواضح أن حقيقة مثل هذه العلاقة تؤدي إلى نقل اعتماد أوروبا على الطاقة من روسيا إلى الولايات المتحدة، وإضعاف استقلالية أوروبا في السياسة الخارجية.

نتيجة لذلك ينبغي أن يعطي القادة الأوروبيين وقفة للتفكير فيما إذا كان ينبغي تجنب الصراع في أوروبا في المقام الأول، وبالتأكيد كيف يمكن إنهاء ذلك؟