الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

التّطبيع وتعليقاته

عبد الكريم الناعم

على أثر نشر مقالي “التّضبيع والتّطبيع” في صحيفة البعث في 29/12/2020 وصلني عدد من التعليقات التي، كما أرى، تستدعي مُتابعة الكتابة، ولا أقول “الردود”، لأنّني لست بصدد الردّ، بل يهمّني الحوار المتفاعل الباحث عن الحقيقة، والمُهتمّ بكشف بعض ما يجب كشفه، في زمن علا غباره، وقَتامه، حتى صار التمييز صعباً، ومطلوباً بجدارة، أحد التّعليقات يقول: “يا أخي يطبّعوا ويخلّصونا”، وأنا لا ألوم قائله/ قائلته، فهو يدلّ على أنّ الناس قد سئمت ما نحن فيه من المعاناة، والتي تتناسل يوماً بعد يوم، دون أن يبدو في الأفق ما يَعِد بأنّ ما نحن فيه مؤقّت، بل هو يبدو، في بعض مقاطعه، شبه مؤبَّد، وأقول لصاحب هذا القول أنا مثلكم في المعاناة، وأعايشها يوميّاً، ولستُ من شريحة مَن اكتفوا بما شفطوه من أموال، وجلسوا يتمتّعون وكأنّ معاناة النّاس تجري في المرّيخ، لا حولهم!! وهؤلاء لا يقلّون خطراً من حيث النتائج عن “الدواعش” وجماعة الأخوان المسلمين، ولا عمّا فعلته الإدارة الأمريكيّة، مباشرة، أو بواسطة عملائها الذين تأمرهم فيطيعون لا راضخين فقط، بل ومُغدقين على واشنطن مليارات المليارات، إمّا بدفعها مباشرة، أو عبر شراء الأسلحة.

أنا أعلم مقدار ما تعاني منه الشرائح الاجتماعية التي أنا واحد منها، ولكنّني أذكّر بأنّ الرسول صلوات الله عليه وآله، قد حوصر في بداية دعوته في شِعب من شعاب مكّة، ومُنع التعامل والبيع معه ومع أهله، حتى أكلوا الحشائش وورق الشجر، ولستُ أدعو، لا سمح الله إلى أن نتقبّل الحالة نفسها، بل أردتُ القول إنّ الموقف الرافض للتّطبيع المطروح، لا يختلف في جوهريّته عن ذلك الموقف، فكلاهما صمود في وجه (الطاغوت)، ولكلّ عصر طواغيته، وأكرّر مشدّداً أنّ هذا الكلام لا يقرأ عذراً لمقصّر، أو لمخرّب، أو ناهب مال، فأولئك من زمرة الطّاغوت، وليس من يتستّر عليهم،.. أو يحميهم بأقلّ خطراً وسوءً من أكابر المتآمرين على هذه الأمّة، والتي قدَرُ سوريّة أن تكون مركزها، وحَجَر العقْد فيها.

إنّ النّقد الموجّه للتقصير في الداخل لا يجوز أن يوصلنا إلى مواقع التفريط بحقّ أجيال هذه الأمّة، فالمعركة مزدوجة، أحد جانبيها الداخل، والجانب الآخر المتمثّل في أغراض التطبيع وأهدافه القريبة والبعيدة.

يبدو أنّنا في وضع سيظلّ يفرض علينا أن نكرّر، لضرورة مواجهة التكرار، إنّ “التطبيع” المطروح الآن، والذي تمثّل رأس حربته كلّ القوى الحاكمة المُطبّعة في هذا الوطن، لن يوصلها إلى أيّ خير، بل حكّام تلك الدّول يشترون بقاءهم في السلطة، ولذا فهم لا يرفضون لواشنطن طلباً حتى وإنْ كان حذف الآيات القرآنيّة المتعلّقة بذمّ محتلّي فلسطين، ومنْع أن تُتلى على شاشاتهم الفضيّة، أو في مساجدهم!!.

أحد التعليقات يقول ما معناه ماذا يريد الصهاينة من التّطبيع أكثر من وصول بضائعهم إلى الأسواق العربيّة؟!!.

على أهمّيّة الفكرة أريد أن أضيف للقارئ الكريم أنّهم يريدون ما هو أبعد، رغم تخوّفي المؤكَّد من أنّهم سوف يسمّمون ما يصدّرونه من أطعمة بسموم طويلة الأجل من حيث ظهور النتيجة، يكون منها العُقم مثلاً، والعجز الجنسي، وما شابه، فلهم باع شيطاني في هذا المجال، فهم لا يريدون ترويج بضائعهم فقط، بل ثمّة طموح للسيطرة على المنطقة بحيث لا تتنفّس إلاّ من الرئة الصهيونيّة.

إنّ (مبدأ) مقاومة المشروع الصهيوأمريكي أقلّ كلفة من الانصياع له،.. هذا  المبدأ دعاني للتوقّف عند نقطتين:

الأولى أنّ أحد مشاهير الكتّاب السوريين، أعفّ عن ذكر اسمه، قال لي بعد احتلال الأمريكان للعراق بلهجة الواثق المطمئنّ، وهو يبتسم، ما معناه، انتظر ثلاث أو أربع سنوات وسترى أنّ العراق قد صار “هونغ كونغ” هذه المنطقة، وها هو حال العراق كما نعرف. والثانية: لعلّ مَن يتساءل مُحِقّاً وماذا بعد، ولهذا أقول: إذا كنتَ قد استمعتَ إلى سيّد المقاومة حسن نصر الله، وهو لا يلقي الكلام جُزافاً،.. إذا تأمّلت ما قاله، وما يقوله يمكنك تلمّس بعض ما نرجو له أن يتحقّق…

aaalnaem@gmail.com