مجلة البعث الأسبوعية

ما بين حرب اللقاحات والسلالات الجديدة.. هل تنحسر جائحة كورونا في 2021؟

بدأ طرح اللقاحات المضادة لفيروس كورونا “كوفيد-19″، في بعض أجزاء من العالم، لكن شابت هذه الأنباء السارة ظهور سلالة جديدة من الفيروس ربما كانت أكثر عدوى من الفيروس الأساسي، وأصبح من غير الواضح كيف سيتحور الفيروس.

وليس هناك شك في أنَّ الأشهر الثلاثة أو الأربعة القادمة ستكون مليئة بالتحديات، ومن المحتمل أنَّ الحياة من دون فيروس لا تزال بعيدة عن متناولنا بعض الشيء، وهناك بعض الأشياء التي قد لا تعود قط لما كانت عليه. ورغم أن من الصعب وضع توقعات دقيقة عن تطورات الأوضاع، لكن هناك بعض الأشياء التي يمكننا التنبؤ بها بدرجة من الثقة خلال العام الجديد.

 

السلالة الجديدة؟

توجد حالياً معلومات محدودة عن السلالة الفيروسية الجديدة، التي تبدو أكثر عدوى، لكنها لا تؤدي إلى مرض أكثر خطورة، وهي ليست قادرة على التهرب من المناعة المُكتَسَبة من اللقاح، رغم أنَّ ذلك لم يتأكد بعد.

بيد أنَّ السلالة الجديدة المُتحوِّرة تشير إلى أنَّ الفيروس قادر على إنتاج طفرات كبيرة، ويمكن أن تغير الطفرات الأخرى مسار تفشي المرض. ومن ثم أصبح قمع الجائحة بسرعة مهمة أكثر إلحاحاً. ومن المحتمل أن تستمر القيود الأكثر صرامة على السلوكيات خلال العام الجديد، وقد نحتاج إلى مزيد من القيود للسيطرة على الفيروس إذا كان بالفعل أكثر عدوى.

وقد تعززت الفرضية القائلة بأن سلالة بريطانيا سريعة الانتشار من فيروس “كوفيد-19” لها خاصية الانتقال بشكل أسرع من سابقتها، من خلال تحليلات ترجح ارتباط هذه السلالة بحمولات أعلى من الفيروس في عينات الجهاز التنفسي، وقد وجد العلماء أن تلك السلالة استمرت في الانتشار، على الرغم من القيود المفروضة، خلافاً للسلالات الأقدم.

وقد اكتُشفت السلاسة – التي أُطلقَ عليها “ب117” – خلال بحث في أسباب استمرار ارتفاع عدد الحالات المصابة بفيروس كورونا في مدينة كِنت البريطانية خلال الإغلاق الذي حدث في تشرين الثاني الماضي.

 

مستويات أعلى من الفيروس

وقد بدأت بعض المختبرات المتخصصة – التي افتُتحت في نيسان لتعزيز قدرة إجراء الاختبارات على “كوفيد-19” في بعض الأماكن، مثل لندن ومانشستر – ترى وجوداً للسلالة الجديدة في عينات الجهاز التنفسي، لتدق جرس الإنذار بشأن سلالة “ب117”  وتفوقها الانتقالي.

وحلل الخبراء إجمالي 641 عينة بناءً على اختبارات مرضى يُظهرون أعراضاً، وخلصوا إلى وجود السلالة “ب117” وسلالات أخرى غيرها.

كما أظهر نحو 35% من المرضى المصابين بالسلالة “ب117” مستويات أعلى من الفيروس في عيناتهم، مقارنة بـ 10% من المرضى لم يُصابوا بتلك السلالة.

ويقول مايل كيد، وهو أحد الخبراء: “يبدو أن المرضى المصابين بهذه السلالة لديهم حمولاتٌ أكبر من الفيروس، والجليّ أنه يسهل عليهم أكثر من غيرهم نشره إلى أشخاص آخرين”، محذراً من أن البيانات المتوافرة أولية وأن هناك حاجة إلى جمع مزيد من الأدلة قبل الوصول إلى استنتاجات قاطعة.

 

سلالة أكثر خطورة من سابقتها

ويقول العلماء إنهم واثقون، بقوة بأن سلاسة “ب117” تملك أفضلية انتقالية، وقد قدّرت دراسة أجراها باحثون بمدرسة لندن لحفظ الصحة وطب المناطق الحارة، أنها أسهل انتقالاً بنسبة 56%، مقارنة بالسلالات السابقة.

وثمة وفرة من العوامل التي يمكن أن توضح لماذا هي أكثر قابلية للانتقال. فإذا كانت السلالة مُعدية أكثر، لا تكون هناك حاجة إلى القدر نفسه من الجزيئات لدى المستضيف لتمرير المرض إلى غيره. وقد يتكاثر الفيروس أسرع كذلك في الهواء، أو يجعل المصابين به يحملونه وقتاً أطول، ما يزيد احتمالية نقله إلى غيرهم.

وقال كيد: “طريقة وصول السلالة إلى حمولة فيروسية عالية تحديداً ما تزال سؤالاً ضخماً”، مضيفاً أن التأكيدات المستندة إلى المعامل مطلوبة لفهم الأسس الحيوية لتلك الأفضلية الانتقالية.

وتشير البيانات الأولية إلى أن سلالة المملكة المتحدة لا تجعل الناس أكثر مرضاً أو تزيد احتمالات تجدُّد إصابتهم أو وفاتهم. لكن وجود معدلات إصابة عالية دون سيطرة حازمة يمكن أن يؤدي إلى وقوع وفيات أكثر.

 

“السلالة الجديدة” تثير حالة من الذعر

وأدى ظهور السلالة الجديدة في المملكة المتحدة، وغيرها من الدول، إلى حالة من الذعر بجميع أنحاء العالم، فألغت عشرات العواصم الرحلات الجوية مع البلد الذي صار شبه معزول، خاصةً أن هناك علماء يعتقدون أنها أكثر قابلية للتفشي من السلالة المعروفة، بنسبة تصل إلى 70%..

وأوقفت أكثر من 40 دولة، بينها دول أوروبية، رحلاتها الجوية مع بريطانيا، بعد اكتشاف سلاسة “كورونا” الجديدة.

لكن منظمة الصحة العالمية أكدت أن هذه السلالة الجديدة ليست “خارج السيطرة”، حيث قال مسؤول الحالات الصحية الطارئة في المنظمة مايكل راين، للصحفيين، في 21 كانون الأول 2020: “سجّلنا نسبة تكاثر للفيروس تتجاوز إلى حد بعيدٍ عتبة 1.5 في مراحل مختلفة من هذا الوباء، وتمكنا من السيطرة عليها. بناء عليه، فإن الوضع الراهن في هذا المعنى ليس خارج السيطرة”.

 

كم من الوقت؟

ويمثل إنتاج جرعات كافية من اللقاح مهمة ضخمة، فقد يمر الإنتاج بمرحلة اختناق. وحتى لو افترضنا قدرتنا على صنع كل ما نحتاجه، فإنَّ تحصين الناس سيستغرق عدة أشهر.

وفي المملكة المتحدة – على سبيل المثال – يطرح الممارسون العامون اللقاحات، ويتولى ​​الممارس العام الإنجليزي في المتوسط رعاية نحو 9000 شخص. وبافتراض أنَّ الأطباء الممارسين يعملون 8 ساعات كل يوم، ويحتاجون إلى 10 دقائق لتطعيم شخص ما، ويحتاج كل مريض لجرعتين، فسيستغرق الأمر أكثر من عام للانتهاء من تطعيم جميع مرضاهم. وسيساعد الآخرون بالطبع في بدء تطبيق العلاج، لكن هذا يوضح حجم المهمة، وسيكون التأخير حتمياً.

بالإضافة إلى ذلك، يستوجب التطعيم بلقاح فايزر تلقي الجرعتين بفاصل 21 يوماً، مع بناء المناعة الكاملة بعد 7 أيام من الجرعة الثانية. وتتطلب اللقاحات الأخرى – مثل لقاح استرا زينيكا فترة أطول بين الجرعات. وسيستغرق الأمر شهراً على الأقل – إن لم يكن أكثر – لرؤية التأثير الكامل في كل شخص يحصل على التطعيم.

وفي البلدان التي خفّفت قواعد التباعد الاجتماعي في فترة عيد الميلاد، قد نشهد ارتفاعاً مفاجئاً في الإصابات بعد العطلة. وفي هذه الحالة، من غير المرجح أن تُغيِّر اللقاحات كثيراً في البداية، وسيشهد المرض فورة كبيرة جداً في أوائل عام 2021. ومن المحتمل أن يكون هذا هو الحال أيضاً في المملكة المتحدة بفضل السلالة الجديدة المُتحَوِرة من الفيروس، رغم عدم رفع القيود عن الكثير من الإجراءات. وهناك حاجة لتوعية الجمهور بالدفعة التي يشهدها المرض، لتجنب فقدان الثقة في التطعيم.

 

كيف ستتجلى الجائحة خلال 2021؟

بعد الإصابة بـ “كوفيد-19″″ (أو تلقي لقاح)، يصبح الأشخاص محصنين، على الأقل على المدى القصير. ثم يتواصل المصابون في وقت لاحق مع الأشخاص الذين يتمتعون بمناعة بدلاً من الأشخاص المعرضين للإصابة. لذلك ينخفض ​​انتقال العدوى ويتوقف المرض في النهاية عن الانتشار، وهذا ما يُعرف بمناعة القطيع.

ومن غير المعروف بدقة مستوى المناعة اللازمة لوقف انتشار الفيروس بين السكان. ويُعتقَد أنها تتراوح بين 60% و80%. لسنا قريبين من ذلك حالياً، ما يعني أنَّ المليارات حول العالم سيحتاجون إلى التطعيم لوقف انتشار الفيروس.

وهذا يعتمد أيضاً على اللقاحات التي تمنع انتقال الفيروس، والتي لم تُثبَت نتائجها بعد. وإذا كان الأمر كذلك، فسنشهد انخفاضاً في حالات “كوفيد-19″″، ربما في وقت أبكر من ربيع عام 2021. ومع ذلك، ستظل هناك حاجة إلى الإغلاق والتدابير الأخرى للحد من انتقال العدوى بينما يعمل التطعيم على بناء مناعة السكان، خاصةً حيثما تنتشر السلالة الأكثر عدوى من الفيروس.

وفي المقابل، إذا كان اللقاح سيحمي الأشخاص المصابين من التدهور صحياً، فلن يكون أمامنا إلا الاعتماد على العدوى لبناء مناعة القطيع. وفي هذا السيناريو، قد يؤدي تطعيم الفئات الأكثر عرضة للخطر إلى تقليل معدل الوفيات، لكن من المرجح أن يستمر المرض الخطير وسلسلة طويلة من “كوفيد” الذي يصيب الشباب.

 

ما الذي يُرجَّح أن يتغير خلال العام الجديد؟

اللقاحات ليست حلاً سحرياً، ويجب معها الحفاظ على مستوى معين من الاحتياطات لعدة أشهر قادمة. وفي المناطق التي تنتشر فيها السلالة شديدة العدوى، قد تستمر القيود المشددة حتى انتهاء نشر اللقاح. وأية تغييرات ستأتي ببطء، خاصة في مجال زيارات الرعاية المنزلية وإعادة فتح المستشفيات للعلاج المنتظم.

ومع الوقت، نأمل أن يصبح السفر أبسط، على الرغم من أنَّ شركات الطيران قد تبدأ في طلب شهادات التطعيم. وعلى الرغم من أنَّ بعض البلدان تشترط التطعيم ضد الحمى الصفراء للدخول إليها، يُرجَّح أنَّ يثير طلب حمل أصحاب جوازات السفر مناعة ضد “كوفيد-19” جدلاً.

وقد يصبح ارتداء القناع عادة اجتماعية على مستوى العالم كما هو الحال الآن في آسيا، على سبيل المثال عندما يكون شخص ما مريضاً أو قلقأً على صحته.

 

التطلع للمستقبل

هل يمكن أن يؤدي التطعيم إلى القضاء على الفيروس؟ لا نعرف بعد إلى متى تستمر المناعة المُكتَسَبة من اللقاح، وستكون المناعة طويلة الأمد هي المفتاح. وسيكون القضاء الكامل على الفيروس أمراً صعباً للغاية وسيتطلب جهداً عالمياً.

وبينما نقترب من القضاء على شلل الأطفال، لا يزال الجدري هو المرض البشري الوحيد الذي قُضِي عليه تماماً، وقد استغرق هذا ما يقرب من 200 عام. أما الحصبة، على سبيل المثال، فبالرغم من القضاء عليها تقريباً في العديد من البلدان، تستمر في العودة.

وتوفر بعض اللقاحات، مثل تلك الخاصة بالحصبة، حماية لمدى الحياة تقريباً، بينما يحتاج البعض الآخر إلى تكرار تلقيها، مثل التيتانوس. وإذا واصل “كوفيد-19” التحور بانتظام وبدرجة كبيرة – وهو ما ثبت أنه قادر عليه – فقد نحتاج إلى أخذ لقاحات جديدة دورياً، كما نفعل مع الأنفلونزا. وعلى المدى الطويل، سنحتاج أيضاً إلى تطعيم الأطفال للحفاظ على مناعة القطيع.

ومن المحتمل أن تكون الآثار الاجتماعية والاقتصادية للجائحة طويلة الأمد أيضاً. وربما لن تعود الحياة أبداً إلى ما كانت عليه من قبل. لكن الأمر متروك لنا لجعلها أأمن من خلال الاستعداد الأفضل للأوبئة في المستقبل.