انتخابات الكنيست الرابعة تضع نتنياهو على حافة الهاوية وتهدد مصيره السياسي
“البعث الأسبوعية” ــ محمد نادر العمري
خلافاً للمعارك الانتخابية السابقة داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي، تعتبر انتخابات الكنيست المقبلة والمقررة في شهر آذار القادم، مفصلية، ليس فقط على صعيد انعكاسها على شكل الحكومة وطبيعتها وأعضائها وبرنامج عملها، بل على طبيعة التغييرات التي ستحدثها في المشهد السياسي للقوى والتيارات والأحزاب السياسية أولاً، وتحديد مصير المستقبل السياسي لرئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو وحزب الليكود واليمين ثانياً.
حيث وفق المؤشرات المتوافرة والظروف الداخلية والخارجية، لا توحي أن الانتخابات الرابعة التي سيشهدها الداخل الإسرائيلي، خلال أقل من عامين، ستصب في صالح نتنياهو، بالرغم من كل الهدايا المجانية التي تلقاها مادياً ومعنوياً من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي وصفها – نتنياهو – في أحد تصريحاته الانتخابية والإعلامية سابقاً، بأنها تمثل أعظم “إنجازات تاريخية” تحققت في تاريخ دولة الاحتلال.
وتكمن في هذا السياق مجموعة من الأسباب الداخلية والخارجية، والتي يمكن القول أنها تجتمع لتشكل الضربة القاسمة وتضع حداً للحياة السياسية لأطول فترة حكم في تاريخ رؤساء حكومات الكيان منذ تأسيسه في عام 1948، وهي ذاتها الأسباب التي ستشرع الأبواب على مصراعيها، في المقابل، للزج برئيس حكومة الاحتلال خلف قضبان السجن على إثر قضايا الفساد الأربع، والتي أثبت القضاء صحتها وإدانته بها، وتمكن من الهرب منها سابقاً نتيجة حصانته البرلمانية والحكومية في الانتخابات الثلاثة السابقة.
وتصنف الأسباب الداخلية لاحتمال حصول ذلك، ضمن شقين:
– الأول سياسي مثمثلاً في جوهر تغير موازين القوى داخل التيارات السياسية، وبخاصة انقسام اليمين، حيث لم تعد استراتيجية نتنياهو السابقة بإقصاء بعض الشخصيات والوجوه ذات الثقل السياسي والعسكري داخل حزب الليكود واليمين، أو إغراء البعض الآخر منهم بمناصب سياسية أو وعود خلبية، تفيده بشيء، بعد تنكره للاتفاق الذي جمعه مع شريكة الائتلافي بالحكومة الحالية، رئيس حزب ازرق أبيض اليساري، بني غانتس.
والأكثر من ذلك، لم يعد هدف إسقاط نتنياهو محصوراً بالأحزاب والقوى اليسارية والوسط داخل الكيان، بل بات مسعى داخل اليمين الذي يعتبر الليكود، حزب نتنياهو، عاموده الفقري خلال العقدين السابقين، وخاصة بعد إقدام جدعون ساعر على الانشقاق من الليكود، وإنشائه حزباً يمينياً جديداً يدعى “الأمل الجديد”، وقدرته حتى الآن على استقطاب شخصيات بارزة من الليكود إلى صفوفه، وفي مقدمتهم الوزير زئيف ألكين الذي يعتبر من الشخصيات المقربة من نتنياهو ومخبأ أسراره.
وبذلك ستنخفض احتمالات حصول الليكود ونتنياهو على الأصوات المطلوبة لتشكيل الحكومة ورئاستها. وهنا تشير أحدث استطلاعات مراكز الدراسات الإسرائيلية إلى انخفاض تمثيل الليكود داخل الكنيست إلى أقل من 25 مقعداً، بينما كانت نسبة المقاعد في الانتخابات الماضية 36 مقعداً؛ وفي حال استمرار ساعر بتدعيم صفوف حزبه الجديد من اليمينين، وباقي التيارات التي تشهد بدورها انقسامات وتشرذمات باتت تهدد وجودها الحزبي والسياسي، وفي مقدمتها حزب أزرق – أبيض، واحتمال انسحاب وزير الخارجية غابي اشكنازي منه، فقد تنحصر المنافسة في الانتخابات الرابعة فقط بين أحزاب اليمين، وهنا ستكون فرصة “الأمل الجديد” هي الأكبر في تشكيل الحكومة وترؤسها.
– أسباب عسكرية وأمنية واقتصادية واجتماعية:
على البرغم من كل عمليات التطبيع المتسارعة، والتي حصلت في الآونة الأخيرة بين تل أبيب وعواصم العديد من الدول العربية والإسلامية، إلا أن المخاطر الأمنية والعسكرية لم تنخفض مؤشراتها، أو تنتفي من السيناريوهات التهديدية لأمن الكيان؛ بل وتفيد بعض تقديرات مراكز الأبحاث العسكرية والأمنية، وفي مقدمتها معهد بن غوريون، بأن عمليات التطبيع هذه لن تحقق أي منفعة للكيان الإسرائيلي، سوى من الناحية الاقتصادية والمخابراتية، في حين أن المخاطر الحقيقية تكمن في تزايد قدرات محور المقاومة العسكرية والتكنولوجية، وتزايد الخبرات القتالية التراكمية للمحور، وهو ما أحدث تغييراً في موازين القوى.
وخير دليل على ذلك حالة الرعب التي سادت، وتسود، جيش الاحتلال من انتقام حزب الله المرتقب لاستشهاد أحد عناصره بريف دمشق على إثر عدوان إسرائيلي في تموز العام الفائت، والرسائل العلنية والضمنية التي إطلقتها المناورة المشتركة لفصائل المقاومة في غزة تحت مسمى”الركن الشديد”، فضلاً عن الدعوات الداخلية لنتنياهو، لعدم الانجرار وراء أي مغامرة في الجغرافية السورية، أو ضد إحد دول وأطراف محور المقاومة، تؤدي في نهاية المطاف إلى توحد جبهات هذا المحور.
ولعل المخاوف من قدرات المحور الصاروخية والعلمية والحربية التراكمية، وانقلاب المشهد في الحرب النفسية، دفعت إسرائيل لتعديل استراتيجتها، وفق ما كشفت عنه وثيقة صادرة عما يسمى معهد دراسات الأمن القومي، في شهر أب من العام الماضي.
بينما تركت جانحة كورونا آثارها السلبية اقتصادياً على المشهد الداخلي الإسرائيلي، وهو ما دفع المستوطنين نحو الخروج في مظاهرات حمّلت نتنياهو بشكل مباشر المسؤولية عن الشلل الاقتصادي والخسائر الفادحة التي تهدد بإغلاق نحو من 250 ألف منشأة تجارية بحال لم تحصل على دعم حكومي، وارتفاع معدلات البطالة إلى حوالي 26%، وتجاوز إجمالي المسجلين للحصول على مستحقات البطالة مليون مستوطن، الأمر الذي دفع صحيفة يديعوت أحرونوت، في أحد تقاريرها، منتصف عام 2020، للقول إن “إسرائيل ستعاني من أسوء ركود اقتصادي في تاريخها”.
كما أن وجود نوع من التعامل العنصري داخل إسرائيل، دفع الكثير من المسؤولين الإسرائيليين لتحميل نتنياهو مسؤولية ذلك، فعلى الرغم من وجود هذه العنصرية منذ عقود على قاعدة التمييز ضد كل ماهو غير “أبيض – أشكنازي” في التعينات والمناصب السياسية، إلا أنها اليوم باتت تطال باقي المجالات الأخرى، وأصبحت ما تسمى بـ “ديمقراطية” إسرائيل مشوهة في قسم منها، من خلال التميز الطبقي والعرقي تجاه المستوطنين، وهو ما دفع وزير الأمن السابق، أفيغدور ليبيرمان، للتحذير من تأجيج حرب أهلية لأول مرة في تاريخ الكيان.
– تكمن الأسباب الخارجية في عدة نقاط، يمكن حصر أبرزها في النقاط التالية:
أولاً: فشل نتنياهو في كسر حلقة المقاطة الغربية لإسرائيل، رغم كل الجهود المبذولة من ترغيب وتهديد مارستها إدارة ترامب لتحقيق هذا الكسر، وهو ما دفع وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، لزيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول أمريكي لمستوطنات الجولان المحتل والضفة الغربية، ودعوته المنتجين الإسرائيليين، لوضع علامة “صنع في إسرائيل” على المواد المنتجة داخل المناطق المحتلة والمخصصة للتصدير، فضلاً عن وجود رفض أوروبي لملف الاستيطان، والذي شكل جوهر الخلاف بين بعض عواصم دول الاتحاد وتل أبيب.
ثانياً: من الصحيح أن كل رئيس للولايات المتحدة الأمريكية يعتبر أمن الكيان الإسرائيلي ومصالحه في مقدمة أولوياته، ويتصدر برنامجه الانتخابي وسلوكه الفعلي، إلا أن العلاقة الشخصية بين نتنياهو وجو بايدن ليست في حالة تسمح للأخير بإغداق ما قدمه ترامب له، وبخاصة إن بايدن كان يمثل أحد الأركان الحساسة والوجوه البارزة في إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، والتي شهدت نهاية ولايته فترة جمود وتوتر بالعلاقة الشخصية مع نتنياهو؛ وأوباما اليوم يمثل فاعلاً مؤثراً في إدارة بايدن القادمة، حتى ذهب البعض المراقبين لوصف إدارة بايدن بأنها ولاية ثالثة لأوباما.
إنطلاقاً من تأثير أوباما على توجهات بايدن، ونتيجة البرودة في العلاقة الشخصية، يرجح أن يفقد نتنياهو عامل الدعم الرئاسي الأمريكي له في الانتخابات القادمة، وبخاصة في حال اشتد الخلاف بينه وبين بايدن على كيفية التعامل مع إيران حول ملفها النووي، وحول السعودية فيما يتعلق بمصير محمد بن سلمان، وعدوانه على اليمن، ومسألة حقوق الإنسان والحريات، وملف الصحفي المقتول جمال خاشقجي.
حالة التأزم السياسي لنتنياهو لاتختلف عن حالة التأزم السياسي للرئيس ترامب، وهو ما قد يدفع الحليفين لافتعال أزمات داخلية وخارجية لخلط الأوراق، ولكنها في الجانب الآخر من الصورة تشكل تهديداً عبر عنه، بشكل دقيق، رئيس هيئة الأركان العامة الإسرائيلي السابق، غابي إشكنازي، في مقال له منذ أيام، في صحيفة يديعوت إحرنوت، بقوله: “سورية وإيران ليستا تهديدين وجوديين فقط لإسرائيل، بل التهديد الأساسي يكمن في الشرخ الداخلي، وعدم القدرة على تشكيل حكومة إسرائيلية مستقرة”.