المنهج التأريخي العربي بين الفن والآثار والفلسفة
حلب ـ غالية خوجة
افتتحت جمعية العاديات بحلب نشاطها الثقافي لعام 2021 بمحاضرة للباحث الكاتب محمد قجة الرئيس الفخري لجمعية العاديات بحلب “تطور االمنهج التأريخي عند العرب وصولاً لابن خلدون”، وذلك في قاعة المحاضرات.
وكانت البداية مع القرن الأول وحتى الثالث للهجرة، وبواكير الكتابات التاريخية انطلاقاً من “المغازي والسير”، والتي عرفت عدداً من الأسماء، وأبرزها: وهب بن منبه، شرحبيل بن سعد، الزهري، ابن اسحاق، ابن هشام، الواقدي، ثم المدائني وابن الكلبي وصولاً إلى البلاذري واليعقوبي وابن قتيبة والدينوري، بينما برز اسم “الطبري” صاحب الكتاب المرجعي “تاريخ الأمم والملوك” في القرن الرابع للهجرة الذي شهد حدثاً هاماً تمثل في ظهور المؤرخ المحقق “مسكويه” وكتابه “تجارب الأمم”، الذي تكمن أهميته في المنهجية العلمية في دراسة الحدث التاريخي، وصلته بالمؤثرات الجغرافية والاجتماعية والفلسفية، وابتعاده عن الأساطير والخرافات، وحياديته تجاه السلطات الحاكمة.
وأوضح قجة كيف كانت الدراسات التاريخية في الأندلس تواكب مثيلتها في المشرق، ومن أبرز الأسماء في هذا المجال: عبد الملك بن حبيب، وابن القوطية، وعريب بن سعيد، وابن حيان صاحب كتاب المقتبس، وبنو سعيد في كتابيهم المشهورين “المٌغرب في حلى المغرب، والمُشرق في حلى المشرق”، ثم العلامة الموسوعي ابن حزم المؤرخ والفقيه والأديب والشاعر. وتوقف الباحث قجة في الأندلس عند “لسان الدين بن الخطيب” وزير غرناطة ومؤرخها وأديبها الموسوعي وشاعرها، وأهم كتبه “الإحاطة في تاريخ غرناطة”، ورؤيته للتاريخ كفن غايته نقل الأخبار وتمحيصها وبيان مدى ارتباطها بالعمران والاقتصاد والاجتماع والسياسة والأدب.
وأضاف المحاضر الباحث قجة: وعندما نصل إلى العلامة العظيم “ابن خلدون” وكتابه “العبر”، نكتشف الأسس الفلسفية المنهجية للتأريخ، وكيف تعتبر مقدمته فتحاً جديداً في فلسفة التاريخ، وعلم الاجتماع، وعلم الاقتصاد، والعمران، والمؤثرات السياسية والجغرافية والإنتروبولوجية، وعلم الموسيقى والتصوف، وعوامل سقوط الدول .
وأكد الباحث محمد قجة على متابعة المقريزي المعاصر لابن خلدون وتلميذه مسيرة أستاذه في كتبه العديدة وأهمها “خطط المقريزي”.
ولفتَ قجة إلى ظهور تخصصات في الدراسلت التاريخية مثل: كتب تاريخ المدن، ومن أشهرها: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، تاريخ دمشق لابن عساكر، بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم، كتب تراجم الشخصيات، ومن أبرزها: وفيات الأعيان لابن خلكان، فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي، شذرات الذهب في أخبار من ذهب للعماد الحنبلي.
واختتم الباحث قجة محاضرته بالحديث عن علم التاريخ في العصور الحديثة وتخصصاته الزمنية والإقليمية والسياسية والاجتماعية، وكيف برزت العلاقة الوثقى بين علم التاريخ وعلم الآثار، مما شكّل فتحاً علمياً منهجياً رائداً، وكيف كان لجمعية العاديات خلال قرن من الزمن دورها في كتابة تاريخ حلب، بمساهمة أكثر من خمسين باحثاً وكاتباً من أعضاء الجمعية، تركوا أكثر من مائة كتاب.