بأيادٍ ناعمة يقتحمن سوق العمل ويثبتن قدراتهن في كافة المهن
خمس سنوات وما زالت “سوسن” ذات الثلاثين عاماً تعمل في أحد مطاعم دمشق القديمة، تقدّم الطعام على الطاولات وتلبي طلبات الزبائن، بعد أن وجدت نفسها فجأة معيلة لطفلين ومضطرة لتلبية احتياجات المنزل بعد أن فقدت زوجها في الحرب، إذ لم يعد مشهد الأنثى التي تعمل في مجالات عمل ذكورية أمراً غير مألوف بعد أن طغى الطابع الأنثوي على الذكوري في جميع مجالات العمل العام والخاص، ففي مجتمع ما زال البعض يدرجه تحت بند “المجتمع الذكوري” استطاعت المرأة السورية أن تقتحم الجدار الذي لطالما حاول الرجال تمكينه لمنع النساء من الدخول إلى عالمهم الذكوري والعمل في مهنهم التي تفردوا بها لسنوات طويلة، ولم تكن نيّة الكثيرات منهن تحدي هذا المجتمع، لكن الحاجة والظروف المعيشية القاسية التي فرضتها الأزمة عليهن هي من قادتهن إلى هذه المهن.
دراسات
مهن ذكورية كثيرة اختارتها الكثير من النساء خلال السنوات الأخيرة لتأمين دخل شهري لهنّ، فمع ارتفاع تكاليف المعيشة وارتفاع إيجار العقارات اتخذّت الفتيات قرار العمل بجميع أنواع المهن القادرة عليها، وخاصة في مجالات المطاعم وقيادة السيارات وتنظيف المحال وتصليح السيارات وبيع الخضار، لنجد في سوق الهال عدداً من النسوة ينقلن الخضار في السيارات لبيعها في محالهن كباقي الرجال.
وفي دراسة قدّمها مركز دمشق للأبحاث والدراسات (مداد) حملت عنوان «تداعيات الأزمة– الحرب على واقع المرأة السورية»، أكد فيها أن نسبة الذكور من وفيات الحرب السورية بلغت نحو 82 في المائة، وأن هذه الحال دفعت الكثير من النساء إلى ممارسة مهن وأعمال كانت حكراً على الرجال، والقيام بدور الأب المعيل والأم في آن معاً، وهي ظاهرة لم تكن مألوفة في سورية قبل الحرب. وفي دراسة أخرى أجرتها شبكة المرأة السورية أجابت 80% من النساء اللواتي شملهن الاستبيان في ظروف مختلفة بأن الحاجة الاقتصادية دفعتهن للعمل و20% الملل والبحث عن طريقة جديدة لإثبات الذات، حيث تراوحت أعمارهن ما بين العشرين إلى الأربعين عاماً، وكانت نسبة العازبات اللواتي يعملن تشكل 70% فيما وصلت نسبة المتزوجات إلى 30% يعملن في مهن مختلفة شملت: عاملة مطبعة، محاسبة في مقهى، عاملة تنظيفات، موظفة في شركة أدوية، موظفة في محل ألبسة جاهزة، عاملة في ورشة خياطة، مندوبة مبيعات. وكانت النتائج تدلّ على حاجة المرأة السورية العاملة إلى دعم معنوي ومادي لتتمكّن من الثبات والوثوق بنفسها ككائن منتج وفعّال، حيث إنها لا تزال تشعر بالارتباك والقلق، وأحياناً الخجل لكونها تعمل خارج المنزل، رغم ما تعانيه من إرهاق جسدي ونفسي، إلى جانب ذلك نرى أنها تعاني من الخوف الاجتماعي رغم كل الأعباء التي تقوم بها داخل المنزل وخارجه، وتشعر بتأنيب الضمير لكونها خارج المنزل!.
معوقات وضغوطات
ولم يقف عمل المرأة في مهن “خاصّة بالرجال” على العائلات التي فقدت معيلها ورب أسرتها في الأزمة، بل نجد الفتيات الشابات وغيرهن وقد انخرطن بسوق العمل المتنوع رغبة في مساعدة أسرهن في تأمين مستلزمات المعيشة الصعبة. حيث وجدت رشا شعبان (دكتورة في علم الاجتماع) أن عمل المرأة خارج المنزل بات ضرورة حتمية، ليس من منطلق توفير الوضع الاقتصادي الأفضل بالنسبة للمرأة، بل إن عملها مكانة اجتماعية بامتياز يكسبها المهارات الحياتية والاجتماعية اليومية الضرورية للتفاعل مع الحياة عامة، مشيرة إلى أن جميع الأعمال مناسبة للمرأة عدا الأعمال التي تتنافى وطبيعتها الأنثوية، وتتطلّب العمل الجسدي المرهق كأعمال البناء والكهرباء، والتي وللأسف بدأنا نلحظ لجوء البعض من النساء لهذه الأعمال تحت الحاجة للمال، ولا يمكن أن ننكر تعرّض الكثير منهن للمشكلات والمعوقات والضغوطات والتحرشات التي تعاني منها المرأة في أغلب مواقع العمل الخاص، لذا لابد من توفر وعي كامل لحقوق المرأة في العمل في القطاعين العام والخاص، وتجنّب العمل في المعامل والورشات التي تتطلّب جهداً ذكورياً، ويغلب على عمالها ومديريها العنصر الذكوري، حرصاً وحفاظاً على كرامة المرأة من جهة ولتوفير فرص عمل لشباب هم أحق بالعمل في هذه المصانع والورشات من النساء.
تنمية إدارية
في المقابل تعمل وزارة التنمية الإدارية في برامجها دائماً على بناء القدرات البشرية (ذكوراً وإناثاً) كهدف جوهري لعملية التنمية الإدارية، وعتبة أساسية، حيث يُعتبر بلوغها شرطاً لازماً لتحقيق الأهداف الأخرى، كما تسعى إلى عدم وجود تفرقة بين الجنسين من ناحية الجندر، وتحقيق التنمية الإدارية بأبعادها المؤسساتية كافة، وهي الأداة التي تستطيع الوزارات والمؤسسات والهيئات التابعة لها رفع كفاءة أجهزتها الإدارية، وزيادة فاعليتها في تحقيق أهدافها وإنجاز مهامها، كما تعمل الوزارة على استهداف الجنسين في دورات التأهيل والتدريب وتطوير الذات والمهارات الشخصية والمعلوماتية، ولكنها أشارت إلى ضعف تمثيل المرأة من قبل الوزارات الأخرى التي تشارك في الدورات وورشات العمل التي تقيمها الوزارة، حيث يتفوق عدد الذكور على عدد الإناث (دورات الجدارة القيادية مثالاً)، وهي برنامج يستهدف مختلف الاختصاصات الإدارية المتعدّدة مثل برنامج الجدارة القيادية في إدارة المؤسسات التعليمية والصناعية والخدمية والهندسية والمجتمعية والصحية، حيث تستهدف القيادات الإدارية العليا والمتوسطة القائمة على رأس عملها، وتقدم لها نوعية تخصصيّة من التأهيل اللازم لدعم عملها، وتستهدف الوزارة المنتج البشري المؤهل ذهنياً وفكرياً وعملياً، سواء أكان من الذكور أو الإناث، ولاسيما مشروع المنظمة المعرفية الذي يهدف إلى بناء المنظمة المعرفية في الوزارات والجهات العامة التابعة لها، لتطوير وتمكين إدارة القطاع الفني التخصصي والإداري والتنظيمي، وتعزيز القدرات القيادية وتنمية الموارد البشرية (ذكوراً وإناثاً)، كما أن قوانين وأنظمة العمل السورية لم تميّز بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، إنما كان هناك تمايز إيجابي لمصلحة النساء، كحظر تشغيلهن في أوقات معينة منها العمل الليلي والورديات الليلية، ومنحهن إجازة الأمومة والإرضاع.. وهناك أمثلة كثيرة لإشغال المرأة جميع المناصب، والآن استطاعت اقتحام الوظائف الشاغرة كأعمال الصيانة والمرآب.
ميس بركات