دراساتصحيفة البعث

أسباب المصالحة الخليجية

ترجمة: هناء شروف

عن التايمز 

غالباً ما تكون العلاقات الشخصية لقادة أنظمة الخليج مشوبة بالغرابة في أعين الجماهير الغربية، وعندما تعانق ولي عهد النظام السعودي الأمير محمد بن سلمان وتميم آل ثاني أمير مسيخة قطر في مطار سعودي كان بمثابة تعبير رمزي على أن الصدع المرير الذي وضع أنظمة الخليج في مواجهة بعضها البعض لمدة ثلاث سنوات ونصف قد انتهى.

إن أسباب المقاطعة التي شملت قضايا إقليمية مثل دور “الإخوان المسلمين” في السياسة، والسيطرة على محطات التلفزيون الحكومية، والعلاقات مع إيران، بدت محيرة للعديد من الدبلوماسيين والسياسيين الأمريكيين، ناهيك عن الأمريكيين العاديين.

رفعت عودة العلاقات بين حلفاء السعودية، بما في ذلك الإمارات والبحرين ومصر، الحصار الذي أغلق الحدود البرية الوحيدة لقطر، والمجال الجوي لهذه الدول أمام الخطوط الجوية القطرية، وأصبح الآن بالإمكان استئناف العلاقات التجارية والدبلوماسية، لكن توقيت عودة العلاقات قبل أسبوعين من تغيير الرئيس في الولايات المتحدة لم يكن من قبيل الصدفة، ومن المرجح أن يكون الناخبون الأمريكيون قد غيّروا مرة أخرى الأحداث بعمق في الشرق الأوسط.

قال وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات أنور قرقاش: إن الطرفين يريدان تنفيذ الاتفاق قريباً، وإن الهدف الأوسع هو أن يعيد مجلس التعاون الخليجي تحالف دول الخليج الذي يضم عمان والكويت، واكتشاف صوته الجماعي الذي اختفى تقريباً مع صعود محمد بن سلمان، وأضاف: “إن السرعة التي حدث بها رأب الصدع في العلاقات بين السعودية وقطر هي نتيجة الانتخابات الأمريكية ونهاية رئاسة ترامب”.

في السنوات الأربع الماضية كان ترامب أهم صديق لمحمد بن سلمان على المسرح العالمي، وعندما أعلن عن الحصار في أيار 2017، بدا أن ترامب يدعمه  في جوانب عدة من سياسته الخارجية مثل موقفه العدائي من إيران، ومشاركة السعودية في العدوان على اليمن، لكن الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، سياسي مختلف تماماً، وأكثر انسجاماً مع مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية التي كانت تكره دائماً رؤية دول الخليج- شركاء الولايات المتحدة- على خلاف.

قال أندرياس كريج من كينجز كوليدج لندن، وهو أكاديمي ومؤلف كتاب “الخليج المنقسم.. تشريح أزمة”: “كان العامل المحفز الأكثر أهمية في هذه الأزمة بأكملها هو واشنطن، أولاً في شكل موافقة إدارة ترامب على خطوة حصار قطر، ثم الضغط لحل المشكلة خلال العام الماضي”.

لم يتحدث الرئيس ترامب ولا بن سلمان مطولاً عن كيفية رؤية كل منهما للآخر شخصياً، ولكن كان من الواضح منذ الأيام الأولى لرئاسة ترامب أن هناك مصلحة مشتركة، ادعى كلاهما أنهما يريدان تغيير بلديهما وأظهرا بوضوح شديد أنهما يعتزمان القيام بذلك بطريقة شخصية للغاية، قد تكون أنظمتهما السياسية مختلفة تماماً، لكنهما اعتمدا على دوافع شعبوية مدعومة بالمواقف العدوانية تجاه النقاد المحليين لكسب التأييد.

كان الرئيس الأمريكي قد وعد بمواجهة “المسلمين” في حملته الانتخابية،  لكن القيام بذلك اصطدم بحقائق أن العديد من الدول غنية وقوية وقريبة ليس فقط من الولايات المتحدة، ولكن أيضاً من الجناح اليميني لحزبه الجمهوري.

لهذا لم ينجح الحصار بالنسبة للسعودية أو الإمارات أو الولايات المتحدة، لأن مقدار الضرر الذي يمكن أن تحدثه دول الخليج لبعضها البعض دون الحرب محدود جداً، أما اقتصادياً فهم يصدرون النفط والغاز، ويستوردون البضائع من الغرب والصين، ولا يتاجرون كثيراً مع بعضهم البعض.

الخاسر الأكبر من هذه المصالحة هو الإمارات، فقد كان ميناء جبل علي في دبي نقطة وصول رئيسية للبضائع إلى قطر، مدفوعة براً عبر السعودية،  لكن الحصار أدى إلى تسريع تطوير ميناء حمد الجديد في قطر ليتم الاستغناء عن الامارات.

كما أشار دبلوماسيون أمريكيون بوضوح إلى أن الحظر على المجال الجوي السعودي يعني أن الخطوط الجوية القطرية اضطرت إلى التحليق فوق إيران للهبوط في مطار الدوحة، ما استلزم دفع ملايين الدولارات إلى طهران كرسوم، لم تكن هذه هي النتيجة المرجوة لسياسة كانت تهدف جزئياً إلى إجبار قطر على اتخاذ موقف أكثر عدوانية تجاه إيران التي يعتبرها ترامب والسعودية عدواً.

من الواضح أن بن سلمان أدرك منذ فترة طويلة أنه لا يمكن كسب الكثير من عزل قطر، كان سبب بدء المقاطعة في عام 2017 هو أن الدول الأربع شعرت أنها استنفدت جميع الخيارات الدبلوماسية العادية، وأن هناك حاجة إلى إجراء جذري لتشجيع تغيير السلوك من قطر، ومع ذلك، مع نتيجة الانتخابات في الولايات المتحدة، كان عليه أن يتحرك بسرعة مع وعد السيد بايدن باتخاذ إجراءات صارمة ضد السعودية بسبب العديد من الخطايا المتصورة، بدءاً من العدوان على اليمن، إلى مقتل الصحفي جمال خاشقجي.