مغترب يقدم سيارتي إسعاف.. والروتين والإهمال يكلفانه 5 ملايين ليرة رسوماً وضرائب!
لم يكن في حسبان المغترب السوري في الكويت (م. م. ط) أنه بتقديمه سيارتي إسعاف مطلع تشرين الأول الماضي لمصلحة وزارة الصحة/ مديرية صحة حمص- وهيئة مشافي القلمون في النبك، سيدخل دوامة من التعقيدات والإجراءات وإرسال الكتب الرسمية المتعلقة بالموافقة على قبول التبرع!، والذي يُفترض ضمناً أن يعفيه من كل الرسوم الجمركية والضرائب والعوائد المالية الأخرى، ليضطر لاحقاً لدفع كل ما “أُلزم به” من رسوم وضرائب ومصاريف وصلت تقريباً إلى خمسة ملايين ليرة سورية، وفق ما أوضح ابن المتبرع، ووكيله أيضاً!.
المضحك المبكي أن رحلة سيارتي الإسعاف المتعثرة بدأت منذ لحظة وصولهما إلى سورية، فبعد الانتهاء من كل الإجراءات الجمركية اللازمة والكشف من اللجنة الفنية المُرسلة من وزارة الصحة، تبيّن وجود نقص في بعض التجهيزات (بطارية وقطع أخرى) التي اتضح فجأة أنها تعرضت للسرقة! ما اضطر المتبرع لأن يجري صيانة كاملة وإعادة كل النواقص، التي وصلت تكلفتها إلى مليون و200 ألف ليرة للسيارة الواحدة (على نفقته الخاصة بالطبع)، وليتم تهوين الأمر عليه فيما بعد بالقول إن “من تبرع بسيارتي إسعاف لن يقف عند مبلغ 5 أو 6 ملايين ليرة!”.
لم يقف الأمر عند رسوم كان الأولى ألا تدفع البتة، على الأقل لاعتبارات أدبية وأخلاقية، فقد كان هناك أيضاً عامل الوقت الذي يعتبر مسألة على غاية الأهمية بالنسبة لأي رجل أعمال -كما صرح وكيل المتبرع- متسائلاً باستغراب: “مدة ثلاثة أشهر، أليست كافية لإيصال هدية لمستحقيها مهما صادف الأمر من عراقيل وعقبات؟!” وخاصةً أن آخر جواب تلقاه من المعنيين في وزارة الصحة كان منذ حوالي 20 يوماً، وتُبيّن فيه أنها -أي الوزارة- تنتظر ميزانية من وزارة المالية لتتمكّن من تسديد رسوم “تنمير السيارتين”، مؤكداً أنه كان “على استعداد لدفع قيمة التنمير، التي تبلغ نحو 100 ألف ليرة لكل منهما فقط، للخلاص من هذه الدوامة”، ليختم قائلاً بأنها المرة الأخيرة التي يقوم بها بالتبرع أو تقديم أي هدية لمصلحة أي وزارة، لأن المعاناة المادية واللوجستية والنفسية التي تكبّدها المتبرعون تفوق قدرتهم على الاحتمال!”.
جهل بالإجراءات!
مصدر في وزارة الصحة اعتبر أنَّ المشكلة فردية، مؤكداً أنه لم تصلهم أية شكوى مِن قَبل بهذا الخصوص، وحمَّل المتبرّع المسؤولية لأنه -وبسبب جهله بالإجراءات- ترتب عليه دفع الرسوم والضرائب، و”هو مبلغ بسيط” – برأي المصدر!، مضيفاً: ما تمّت سرقته من السيارتين هو عبارة عن “بطارية وغطاء صغير وبعض القطع الأخرى”، معتبراً أن “فعل السرقة لا بد أنه حدث قبل وصول السيارتين إلى الحدود”، وما سُرِقَ لا يحتاج تجهيزه إلى أكثر من “ثلاثة أرباع الساعة!”، وأن التأخير الحاصل اليوم سببه المتبرع، وخاصةً مع دخولنا السنة الجديدة -والكلام ما زال للمصدر- وبالتالي يجب أن ننتظر الميزانية، التي حال وصولها سيصبح الموضوع بحكم المنتهي خلال فترة قصيرة جداً، ويتمّ استكمال ما تبقى من إجراءات لتُسَلَّم السيارتان إلى الجهتين المُرسلتين إليهما.
حاجة شديدة
طبعاً، سلكت القضية طريقها إلى الحل أخيراً، ولربما ستعمل السيارتان في مديرية صحة حمص وهيئة مشافي القلمون في النبك، خلال أيام، ولكن المؤسف أن يحدث مثل ذلك وقطاعنا الصحي بحاجة شديدة إلى الكثير من المستلزمات والتجهيزات، سواء الطبية أو غيرها، فالعقوبات التي يفرضها أعداء الإنسانية على بلدنا تمنعنا من استيراد أهم لوازم ومتطلبات الحياة، بما فيها الغذاء والدواء. ولا يخفى على أحد النقص الكبير الحاصل في معظم المستشفيات، الذي وصل في إحدى المرات إلى درجة الطلب من أهل المريض نفسه في أحد المشافي القيام بشراء “الجبصين”. وقد كان من الطبيعي، ونحن نعيش هذه الظروف الصعبة جداً، أن تقوم الجهات المعنية بتذليل كل العقبات أمام كل من يريد أن يقدم خدمة للبلد، وأن تكون المعاملة مختلفة مع من يريد أن يقدم خدمات أو تبرعات لأي جهة رسمية، وألا نتعامل معه -كما جرت العادة- على أنه مراجع عادي لديه معاملة ويتوجّب عليه الوقوف على قائمة الانتظار!.
والمفارقة العجيبة، هنا، أنَّ أحد أكبر المشافي السورية، وهو مشفى المواساة الجامعي التابع لـوزارة التعليم العالي، يفتقر إلى وجود سيارة إسعاف، حيث يضطر المواطن لطلب سيارة من الإسعاف السريع، وإذا احتاج المشفى إلى سيارة يطلبها من الهلال الأحمر.
في دول أخرى
هنا أيضاً، قد يكون من الضروري النذكير بما يحدث عادة في دول أخرى، حيث يقوم المحافظ أو الوزير أو المسؤول المعنيّ باستقبال المتبرعين الذين يقدمون خدمات من هذا النوع لبلادهم، في مكتبه الخاص، وشكرهم على ما قدموه، وتشجيع ودعم مثل هذه المبادرات، وتسهيلها، عوضاً عن التهرب من المسؤولية، وإلقاء اللوم على الأطراف الأخرى، وتحميلها مسؤولية عدم معرفتها وجهلها بالإجراءات والترتيبات التي يتوجّب اتباعها. وفي الواقع، مثل هذه القضايا لا تتعلق بوزارة واحدة، بل بكل الوزارات التي يُفترض أن تتأهب لإنجاز مثل هذه المعاملات بأقصى سرعة، للتخفيف من وطأة الإجراءات، واختصار الوقت وتوفير المصاريف بغضّ النظر عن تفاصيل الشكوى المُقدمة إلينا، لأنه في المقابل لدينا مواطن مُستنزَف ينتظر أن نخفّف عنه وجعه وتعبه، وبالتالي المسؤولية مشتركة بين كل الجهات، سواء الصحة أو المالية أو الجمارك.. أو غيرها.
أضعف الإيمان
إنَّ طرحنا لهذه الشكوى ليس إلاَّ لتسليط الضوء على استمرار التعاطي بالعقلية نفسها في العمل، وعدم التفريق بين الأزمات والحالات الطارئة والأوضاع العادية والطبيعية، لذلك جُلّ ما نتمناه، ليس القضاء على الروتين، لأن ذلك لن يحدث بين ليلة وضحاها، ولكن على الأقل الحدّ منه، لأنه فتك وما زال بكل مفاصل مؤسساتنا، وعطَّل وأخَّر إنجاز الكثير من الملفات المهمّة والمُلحة في وقت حساس وصعب، وخاصةً مع غياب الإمكانات، لأننا في محصلة الأمر نسيء لسمعة مؤسساتنا، ونسيء للمواطن سواء داخل البلد أم خارجه.
لينا عدرة