ترامب وكوفيد 19 الأكثر جدلاً حول العالم
سمر سامي السمارة
في الآونة الأخيرة، أصبح الموضوعان الأكثر إثارة هما كوفيد- 19، ودونالد ترامب، وقد تنافسا على الصدارة من ضمن مجموعة من الموضوعات الساخنة في الحياة الدولية.
وبحسب موقع “وردومتر انفو” لقي فعلياً -خلال عام على وباء كوفيد -19- ما يزيد على 2 مليون شخص حتفهم، إذ تشهد الولايات المتحدة الآن تفشياً حاداً لعدوى الفيروس التاجي، حيث تجاوز متوسط معدل الوفيات اليومي 3000 شخص. ومع ذلك، من المتوقع أن يتفاقم الوضع أكثر، ولذا تستعد المستشفيات والأطباء لتدفق المزيد من المرضى.
أظهرت تداعيات الوباء، أن الرأسمالية الأمريكية لم تعد تخدم معظم الأمريكيين، حيث تتمتّع النخبة المثقفة بحياة أطول وأكثر ازدهاراً، بينما يموت الأمريكيون الأقل تعليماً، والذين يشكلون ثلث السكان، في سن أصغر ويعانون من صعوبات جسدية واقتصادية واجتماعية.
استنزف وباء كوفيد -19 قدرة المراكز الطبية، خاصة في مقاطعة لوس أنجلوس، حيث قرّرت السلطات المحلية، عدم إدخال المرضى إلى المستشفى إذا كانت فرصهم في النجاة منخفضة. إلى جانب الخسائر الكبيرة التي تكبدها الاقتصاد الأمريكي خلال الوباء، انخفضت حركة الركاب في مترو أنفاق نيويورك بنسبة 70٪، ما أدى إلى خسائر قدرها 3.4 مليارات دولار أمريكي. وبالمقارنة، خلال الأزمة المالية لعام 2008، تكبّد المترو خسائر بلغت 400 مليون دولار أمريكي.
ضرب الوباء كافة المجالات الاقتصادية في نيويورك، وفي الولايات المتحدة كلها، وفي هذا الصدد يقول وزير الخارجية الفرنسية السابق في الفترة الممتدة بين عامي 1997 إلى 2002، ورئيس شركة هوبير فيدرين الاستشارية في مقابلة له مع صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية: “تسبّب الوباء بصدمة أقوى وأكثر عالمية من الأزمة المالية لعام 2008 وأحداث 11 أيلول 2001، والتي أفزعت جزءاً من العالم. لكنها، المرة الأولى التي تخشى فيها البشرية جمعاء الأمر ذاته. وفي الوقت نفسه، يبدو لي أنه كانت هناك اشتباكات عنيفة وصدامات، قد تكون عواقبها وخيمة على المدى الطويل”.
عطّل وباء الفيروس التاجي المسار السابق الذي كان يسير وفقه التطور العالمي، الأمر الذي أدى لتغيرات جذرية وتفعيل العمل والتعلّم عن بعد، والتجارة عبر الإنترنت. في عام 2019، على سبيل المثال، كان يُعتقد أنه بحلول عام 2050 فقط ستصبح الصين منيعة ضد الولايات المتحدة، وفي عام 2035 سوف تتساوى القيمة المطلقة للناتج المحلي الإجمالي الصيني مع الولايات المتحدة. ولكن بحلول نهاية عام 2020، أصبح من الواضح أن الناتج المحلي الإجمالي للصين سوف يساوي مثيله في الولايات المتحدة قبل ذلك بكثير، ربما بحلول عام 2025-2028.
ومع ذلك، يرى كثيرون، أنه ليس فيروس كورونا فقط من تسبّب بإحداث فوضى في المسار السابق الذي اتخذته التنمية العالمية، ولكن هذا ما فعلته رئاسة ترامب، التي كانت إعصاراً مرعباً أثر على كافة دول العالم.
ووفقاً للتقييم الذي قدّمه المدير التنفيذي لـ هيومن رايتس ووتش “كينيث روث” كانت رئاسة ترامب كارثة على حقوق الإنسان، كما أفاد خبراء هيومن رايتس ووتش، فإن قائمة الانتهاكات الإنسانية التي تتهم المنظمة ترامب بها، واسعة للغاية، فقد دمرت سياساته عائلات اللاجئين وفصلت الأطفال عن ذويهم. كما أُتهم ترامب بالمساعدة في تعزيز المتطرفين اليمينيين في الولايات المتحدة، والتحريض على الكراهية ضد الأقليات.
يرى الدبلوماسي الدولي والخبير الأخضر الإبراهيمي أن “ترامب ارتكب مجموعة من الأفعال التي أثرت بشكل كبير على المؤسسات الدولية وعلى أمريكا نفسها، لكن لن يكون من الممكن ببساطة الضغط على زر الترجيع وإعادة كل شيء إلى ما كان عليه الحال قبل مجيء ترامب”. على سبيل المثال، أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية وسط تفشي الوباء، وخرق “الاتفاق النووي” مع إيران، كما اعترف بالقدس عاصمة “لإسرائيل”، ووقع على العديد من العقوبات المفروضة على روسيا، وانسحب من معاهدة الحدّ من منظومة القذائف المضادة للقذائف، ومعاهدة الأجواء المفتوحة، ومعاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، ويبدو أنه كان مستعداً للانسحاب من معاهدة ستارت. باختصار، إن العثور على شيء إيجابي على الأقل بالنسبة للاتحاد الروسي خلال رئاسة ترامب -بعبارة ملطفة- هي مهمّة صعبة”.
بسبب الأخطاء التي ارتكبها ترامب، توترت علاقات الولايات المتحدة اليوم مع الصين، ووفقاً للإبراهيمي -في الوقت الحاضر- لم يعد بإمكان الأمم المتحدة إدارة النزاعات أو المساعدة في حلها، ولم تعد العديد من آلياتها تعمل.
في نهاية المطاف، أصبحت أمريكا منقسمة الآن، ولن يتمكّن الرئيس بايدن من إعادتها كما كانت خلال السنوات الأربع المقبلة، ولن يكون قادراً على إحياء ما يزيد على 300 ألف أمريكي ماتوا بسبب فيروس كورونا، ولا مئات الآلاف من المدنيين الذين لقوا حتفهم في الشرق الأوسط بسبب العدوان الأمريكي.